مشكلة شذاذ الآفاق، أنهم لا يعرفون غير إعصار الوهم الذي يعصف، ويخسف ويبيد ولا يجيد غير الصورة الوهمية، يرسمها على صفحات عقول تعيش على الخدع البصرية، وتستمر في الرقص على حبالها، ولا تحيد، مهما بلغت الحقائق دامغة، راسخة، واضحة، صريحة، لا فيها خدوش ولا رتوش، بل هي الصورة الحقيقية للأفعال، متلازمة مع الأقوال.
اليوم وبعد أن نطقت محكمة العدل الدولية كلمة الفصل، الحق، فلم يبق من غبار على صفحات السبورة، ولم يبق من أعذار للذين يبحثون عن المبررات، والحجج، ليدحضوا البراهين الناصحة، والإمارات منذ بدء الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كانت عينها على أولئك الذين يدفعون الأثمان الغالية في أي صراع ينشب بين المتخاصمين، الإمارات وضعت نصب عينها تلك الشريحة، السودانية الغالية على قلوب كل محبي السلام، وكل الذين يتضامنون مع العزل والذين لا حول لهم ولا قوة سوى أن القدر وضعهم وسط هذه الطواحين حامية الوطيس، هذه الكراهية التي تغذيها الأطماع الشخصية ولا شيء غير ذلك.
الإمارات منذ بدء الصراع هناك في السودان الشقيق، هيأت نفسها لأسوأ الظروف التي قد يواجهها الشعب المغلوب على أمره، وأعدت العدة، وجندت رجالاتها الأوفياء لتقديم المساعدة وكشف الغمة، ورفع النقمة عن الناس الذين أوقعتهم الحرب بين فكي كماشة، سواء كانوا هنا، أو هناك من أرض السودان، فهم مكلومون، مظلومون، ومغلوبون، تطالهم نيران الحرب أينما كانوا، وحيثما ذهبوا، لأن الكراهية لا تميز بين كبير أو صغير، ولا ضعيف ولا قوي، ولا صديق ولا عدو، الكراهية كائن أعمى يسير في صحراء خاوية، ملأى بأخاديد الحقد، الكراهية ليست إلا آلة صماء، تسحت كل من يقع تحت حديدها، ولا رحمة، لهذا هبت الإمارات لنجدة للضعفاء، وآثرت أن تكون بالقرب من الذين تكويهم نيران الحرب، لتخفف عنهم، وتمنع الشر والضرر، ولكن الذين دفعتهم أهواؤهم باتجاه الحرب الشرسة، أصبحوا في معزل عن رؤية الحقيقة، وصاروا في مكان بعيد جداً عن العدل في إصدار الأحكام، وظنوا أنهم بالدعايات الكاذبة يستطيعون إخفاء السماء بمنخل، ويستطيعون تضليل الناس، وهذا ما كشفته محكمة العدل الدولية، حين أسقطت التهمة الباطلة، من علوها إلى حضيض التاريخ، لأنه مهما بلغ الكاذب من تمادٍ، وافتراء، فلا يصح إلا الصحيح، ومن يستطيع أن ينكر خير الإمارات، ليس على السودان، بل على جميع شعوب العالم التي لاقت من ويلات الحروب والكوارث الطبيعة ما أنهك إرادتها، وجعلها في حاجة إلى الغوث، فكانت الإمارات تقف عند باب النداءات، والاستغاثات، فهبت بقلب أوسع من المدى، وروح ببساط الحرير، ونفس مطمئنة، وعقل وقاد، يذهب إلى المعضلات فيفك عقدها، ويقف على المآسي، فيذللها ويأخذ بأيدي المحتاجين، والمسغبين، والذين في قلوبهم لوعة الحرمان، ويمنحهم الحب والحنان، يمنحهم الفرحة ورفعة الشأن. هذه هي الإمارات، وهذه سجاياها، هذه طبيعة أهلها، وسبر قيادتها، والله يحفظ الإمارات ويحمي قيادتها، ويجعلهم دوماً في نصرة الحقيقة، والانتصار للعدل.