من حكايات السفر ببطء وبكسل لذيذ، والذي يجعل وقتك في يدك، ويسمح بذاك التمتع الذي تستشعره كطعم حلو في الفم، أن تستوقفك ساعة بين زمنين، زمن الحب والمحبة والألفة، وزمن الحرب والاحتراب والقسوة، ساعة حمص، تلك الساعة التي اغتالتها الحرب، وجعلت المدينة تبحث عن وقتها في فترة الحرائق وأدخنة الرماد، هذه الساعة وراءها حكايات تروى في أزمنتها المختلفة.
شيدتها «أم السوريين في المهجر.. كرجية حداد» عام 1951 وانتهى بناؤها 1958، ومكان بنائها في الساحة التي تم فيها إعلان استقلال سوريا عن الانتداب الفرنسي أو ساحة جمال عبدالناصر، تعطلت لمدة عشر سنوات 1978-1988، حينها كانت المدينة خارج الوقت، ولأن أهل حمص أهل نكتة وظُرف وتفكه، حدث مرة أن أعلموا أن وفوداً رسمية ستزور المدينة، ومعهم كل الأجهزة الإعلامية العالمية، وكانت الساعة متوقفة، فاتفقوا على أن يجعلوها تعمل ذاك اليوم حتى ترجع الوفود الزائرة، فقاموا بإدخال مصلح الساعة والعمال وطلبوا منهم أن يحركوا عقارب الساعة كل دقيقة منذ الصباح الباكر وحتى الظهر، فتوقفت الوفود في تلك الساحة وأمام تلك الساعة التي عادت إليها عافيتها بطريقة يدوية بدائية، ولم يلتفت أحد لتلك الحيلة إلا فيما بعد، وحين تندر أهل حمص على بعضهم بعضاً.
عرفت باسم الساعة الجديدة أو ساعة كرجية، لأن في حمص أربع ساعات قديمة، كلها توقفت عن عدّ أيام الحرب والدم الطائش.
ولأن الوقت الجديد في سوريا بدأ، وتم وداع الحرب ولغة البنادق إلى حين، فسيعاد بناؤها وإصلاحها وضبط توقيتها لينتظم إيقاع المدينة من جديد.
ساعة حمص.. اغتالتها الحرب، فحملها الناس كجزء منهم ومن ذكرياتهم لتكون شاهداً على الحرب والرحيل، بعيداً عن الرماد الذي غطى المدينة، وبعيداً عن فوهات البنادق التي تغتال كل شيء من الفراشات الملونة الطائرة إلى حارسات الوقت في المدن، تلك الساعات أيقونة المدن والشواهد على كل الأحداث، وحين بنوا مخيماتهم في العراء بعد التهجير، كان أول شيء عملوه أن بنوا شبيهاً مطابقاً لساعتهم التي غدت خراباً مثل بيوتهم، وزرعوا ساحتها بالعشب لكي لا يشعروا بالغربة، وسكنت معهم في مخيمات اللجوء.. بانتظار العودة، وانتظار زمنهم الجديد.