صحوت صباحاً ودخلت الحمام لأغتسل، فلم أجد ماءً في الصنبور، وتفحصت جميع الحنفيات فلم أجد الماء. فظننت أنني تأخرت في دفع فاتورة الماء. لكني تذكرت أنني قد دفعتها قبل ثلاثة أسابيع. فقلت ربما أن هناك عطلاً ما في الأنابيب الرئيسة التي توصل الماء إلى بيتي. فخرجت إلى الشارع، فرأيت العمال يقومون بإصلاح الأنابيب تحت الأرض. عدت إلى البيت ورحت أقلب صفحات الذاكرة عن علاقة الإنسان بالماء عبر التاريخ. فتذكرت قوله تعالى في سورة الأنبياء: (وجعلنا من الماء كل شيء حي). هكذا ارتبطت فكرة الخلق مع التطورات التي حصلت على العقل البشري، إذ عندما صنع الإنسان أدواته الأولى، لم يجد أفضل من الماء للارتواء، فبنى فكره على أساس ما هو موجود. وكان للماء أهمية خاصة في حياة الشعوب، إذ يعتقد أن مجتمع المياه كان هو الأول، والشمس والقمر يضيئانه. وفي الحضارات الأولى كانت النظرة إلى الماء نظرة قدسية، بفعل قوة الروح التي يمتلكها. وحين فكر الإنسان كيف يحفظ الوجود من الفناء بقوة الماء، أقام الأعياد والطقوس الدينية القديمة للاحتفاء ببركة الماء الذي يؤدي إلى تجدد الحياة واستمرار المخلوقات. وقد عرف الإنسان منذ قديم الزمان قوة الشفاء بالماء. فالمداواة والاغتسال بالماء طلباً للشفاء متوارث منذ أقدم الحضارات. وفي الديانة المسيحية، يتم التعميد بالماء. وفي الإسلام، فإن الماء رمز الطهارة. لذا وجب على المسلم الوضوء عند كل صلاة. وفي الأعراس، يغسل العريس والعروس بشكل غير عادي وطقوس جميلة. وللماء قدرة تحقيق الأماني، ففي اعتقاد بعض المجتمعات تذهب الفتيات غير المتزوجات إلى البرية لجمع الأزهار، ثم ينقعنها في الماء تحت نجوم السماء، ويغسلن بمنقوعها شعورهن لاكتساب الجمال والخصب. وتطلب العزباء من البحر أن يحقق لها أمنية الزواج. وتذهب المرأة الحامل إلى البحر، وتطلب أن يكون مولودها ذكراً. وعندما يشح المطر يخرج الناس طالبين الماء بدق الدفوف والأغاني التي تعبر عن الرجاء للسماء بإدرار المطر. ولأهمية الماء في حياة الكائنات، استنّ له سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) صلاة الاستسقاء التي تؤدى كل عام لاستنزال المطر. لكننا الآن ننتظر الأرصاد الجوية لمعرفة موعد نزول الأمطار. فقد ظمئتُ ولم أجد في كأس الحياة قطرة من مطر. كأن الحياة سحاب يمر شحيحاً، فلا مطر يهمي على خصب روحي وغصني، ولا برق يضيء دروب العمر!‏