- ليلة التروية ويوم عرفة، ومشهد الحجيج يغطون جبل عرفات الذي نهارها يكون مكاناً بحجم أفئدة الملايين، سواء من شد منهم الرحال لتأدية الفريضة أم الذين يحتفلون بهذه المناسبة، في أرجاء المعمورة صياماً وقياماً وتلبية ودعاء.
- نتأمل ملايين الوجوه الخاشعة، نقرأ في محياهم آيات التضرع، والابتهال، والتلبيــــة، نعــــــاين في تـــــلك الوجوه العزم والإيمان، والتقرب إلى الله عز وجل بالفرائض والنوافل، نلمس كم هي قريبة تلك المسافات البعيدة، وكم هي زاهية ألوان البشر وآمال البشرية، وكم هي عميقة تلك القلوب بإيمانها ومحبتها، وكم هي ساكنة مطمئنة تلك النفوس في يوم عرفة المشهود.
- رحابة المكان من رحابة الإيمان في الصدور، وعظمة الملتقى من عظمة الخالق، المدبر، وقوة الإرادة من قوة الطاعة في السعي والازدلاف، والطواف، والاستعداد للتضحية والنحر واستكمال المناسك.
- الأضاحي في دول شمال أفريقيا عجب عجاب، وتغلب عليها العادات والتقاليد الاجتماعية، لا تعاليم الإسلام، وسنة نبيه الكريم، بحيث تجد الاحتفاء بذبيحة عيد الأضحى والأضحية يبدأ بعد انسلاخ رمضان وعيده، حيث تربي كل البيوت بمختلف ظروفها المادية ومكانتها الاجتماعية أكثر من أضحية، فتعلف، وتغسل، وتحنى بالحناء أو تعصفر بالزعفران، فكبش العيد في تونس والجزائر والمغرب له مكانته ودلاله، وقد رأيت العجب في بلدان المغرب العربي، وكيف تنشط البنوك في عمل تسهيلات مصرفية لشراء الأضاحي، ويتسارع إليها الناس قادراً وغير قادر، مكلفين أنفسهم فوق طاقتهم، وعناء سُنّة قام بها الرسول الكريم عن أمته، ففي ليلة وقفة عرفات تصبح المنازل وساحاتها موضوع ثغاء، وموضع تطريب، ويوم العيد يفضل المضحي أن يجري الدم ويذبح أضحيته بنفسه، معتبرينها سُنّة من السُنن، غاسلين أرجل الأطفال بالدم، لكي لا يفزعوا حينما يكبرون، تجد كل العائلة وهي تشارك في طقوس الذبح التقليدي، فلا يترك شيء من الأضحية، فأكل الكبدة والحواشي غداء أول يوم العيد، وفي العشاء الكرش والرأس، وفي اليوم التالي مرحلة شيّ اللحم، والكل قابع في بيته أو ذاهب إلى قريته حيث الجمعة العائلية، فتكاد المدن أن تقفل كل أبواب حوانيتها استجابة للعيد وطقوس الأضاحي فيه، ولو حاول شخص حكيم أن يغير رأيهم، ويطلب منهم أن يتبرعوا بقيمة الأضاحي إلى جمعية الهلال الأحمر أو إرسال قيمتها إلى بلدان أفريقية أشد جوعاً أو حفر بئر، فلن يأمن على روحه، خاصة وأنهم يسنّون سكاكينهم ومدياتهم قبل يومين من الذبح!
- حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وتجارة لا تبور، تقبل الله من الجميع، وينعاد عليكم عيدكم بالخيرات والمسرات، ونلتقي بعد إجازة العيد الكبير.