عندما يأتي اسم الكويت، يقفز إلى الذاكرة البحر الممتد جدولاً فيه مراكب السفر أشجار تظلل رؤوس الذاهبين شمالاً، بحثاً عن علاقة الكف بالكف، ووثبة الحلم الزاهي بين تلافيف العقل الإماراتي الذي لا يفقد رونق التمسك بثوابت العلاقة ما بين الحلم والواقع، وما بين البحر والموجة، ورائحة الفرح القادمة من الشمال تبغي الجنوب، محملة بعيون لمعت ببريق الفرح، يوم حاذت سفن البحر شواطئ الأفئدة النابضة بأشواق اللقاءات بعد غياب بين أحضان دولة الدفء الثقافي، وبلد الموسوعة الثقافية (مجلة العربي)، بلد له في وجدان كل إماراتي ومضة العود الحميد من سفر طال أو قصر، كانت له نعمة التواصل بين شعبين في بلد واحد، امتد من شمال الخليج العربي، وحتى جنوبه، جمعت بينهما أواصر العيش على نبرة الموجة، ووهج شمس الصيف، وتيار الماء القابض على لجة وموجة، الذهاب بإشارات ضوئية بيضاء تحملها الموجة إلى حيث تكمن الحقيقة، حقيقة الشغف الإماراتي، واللهفة الكويتية، للقاءات، وعناق، وابتسامة تحمل في طياتها روح الناس الطيبين.
اليوم عندما نستدعي الذاكرة، ونتذكر، ماذا كانت مراكب السفر تحمل في أحشائها؟ وماذا كان المسافرون يكنون في ضمائرهم؟ كانت الحلوى، هدية العودة، وقبلة على الرأس، وكانت الكلمات تجري على الألسن مثل سيل الأمواج عند شطآن السلام، والمحبة، وكانت الكويت تتبوأ مكانها، ومكانتها، في القلوب، وكواحة، واستراحة، وباحة من خلالها ينفذ القادمون من الإمارات إلى أرض حلم، زرعت على تربتها شتلات الأمل بالعودة إلى الديار، ببوح، وفوح، وصدح سجله التاريخ، على صفحات الأفئدة، بعناوين بحجم الحب للكويت، ومساحة الاخضرار في قلوب أهل الإمارات.
الكويت ليست بلداً فحسب، بل هي ذاكرة، وشجن، وملح بحر، ورائحة سفن، وأغنيات عبدالكريم عبدالقادر، ووجه أبي عدنان وهو يغرد على قمة الفن الخليجي، وفيصل الدخيل وهو يسدد ركلة في مرمى الزمن، ولتبقى القدم الذهبية راسخة في أذهان عشاق الفن الرياضي، واليوم عندما نشاهد هيفاء عادل نتذكر (عتيق) ونتذكر الإسكافي عندما تبرز سعاد العبدالله، كنجمة من النجوم التي رافقت عبدالحسين عبدالرضا، هذا النجم الذي توارى خلف غيمة الغياب، ولكنه حاضر في ضمير الأجيال.
هذه هي الكويت، وهذه هي الذاكرة مزدحمة بصور مشاهد يفخر بها الإماراتي كما يفخر باستثنائية بلاده، وفرادة تطورها، ورونقها المتألق دوماً في جميع المجالات، لهذا عندما تتصافح الكفوف بين الإمارات والكويت، تشعر بلقاء سحابتين تشعر بنثات المطر تبلل وجدانك، وينعم عالمك الداخلي، ببهجة عارمة، تكسوك بالحياة، تمنحك الوثبة الواثقة، نحو مستقبل مشرق كأنه الوهج التاريخي يقفز فجأة تحت جفنيك، وكأنك الفراشة تتجول بين وريقات الزهر، وصفحات الدهر.