في ليلة العيد، كنت تستلقين على عجزك، وعصاك ذلك العمر المخطط بأخاديد الزمن، قلت كيف الحال؟ والقلب المأزوم بأسئلة الوجود، يفتح في المدى قائمة أسئلة كغيوم طاردتها ريح في ليلة ليلاء.
وأنا في ليلة العيد أبحث عنك، عن عينيك الضائعتين وراء لمعة الدموع المنهالة كسيل عرم، تغسل مهجة أضناها التعب، كيف لي أن أمسك ما قد خبا، وانطفأ، كيف لي أن أبحث عن عمر تسرب في الوعي مثل فراشات فرت من قسورة المعضلات، الناشبات في عنق زجاجة الحلم، وها أنت تربصين مثل غزالة منهكة، ورح مضها العمر، وأزاميل تحفر الصدر، والنحر، والفجر يلملم طيات عباءة الليل، ويفتح نافذة للشمس، قلت: أيقظيني من سباتي، هدهدي لغة الفؤاد كي استريح.
اتعب القلب هذا العويل، في داخلك، هذا المدجج بالنحيب، ودموع صارت مثل ذاك الخيط المنسل من شرايين «الحديبة» من فلذة البئر. كنت الساقي، والمآقي قلبك الشاسع عطفاً، ولطفاً، كنت في المقلة وحياً يرتل آيات الحنين إلى بعل تشرد في الغربة، وطفل غرير، ينام تحت بلبلة السؤال أين أبي.
هزي بجذع القلب، واسمعيني كيف أغني، لأجل كفيك والخضاب، وكل ما دار في خلد العالمين، وفي أعطاف العاشقين، مذ أن سكب البحر في فمي ملح الانتظار.
خففي الوطء، ولا تحطبي في غابة القلب، فالقلب بعد الشح صار يباباً، وصرتي أنتفي اليباب خنساء الزمان، صرت حلماً قصقص الدهر جناحيه وأبدى من حكايات وأنواء، وأدواء مل الزمان من نشيجها، وما مللت أنت من داء ولا دواء.
الله يا وجعي، هل تذكرين ذاك الطفل، ذاك المؤزر بحنان، وأشواق، وعناق … ذبلت الشفتان، من رضيض البوح، من حضيض الجرح القديم. هل تذكرين تلك غايات، ونوايا سربت في الروح أشواقاً لم تزل تحكي روايات الزمان، وتسرد قصة غر مله العمر، وما مل الحياة حين قلت (نم هنا في الصدر عند مهد القلب، نم وسم باسم الله ولا تجزع، وفي الصباح سوف تشرق الشمس، وفي كفك تنمو أزهار الحياة، وتزهر سدرة الجيران بالنبق، والنخلة سوف تسدل عناقيدها وتعطيك من بذلها. تعب القلب ولم تتعب الأيام من سوق الرياح إلى خيمتي، وما زلت أفكر، وأتذكر، كيف كنت في الليل البهيم ترتبين الأغنيات، وقيثارة قلبك تدندن، والأنامل تدوزن حشرجات أم كانت في الزمان قيثارة العيد، كانت تخبئ في ثوبها (المدراسي) عيدية اليوم الأول، وابتسامة على ثغرها ترتب مشاعر ربما لم أعرف مفرداتها إلا اليوم.
فصباحك عيد أيتها الأيقونة، صباحك ورد وياسمين. كيف لي أن انزع القلب من القلب، وكيف أغني بلا قيثارة وأنت تتكئين على العمر بجسد نال منه التعب ما نال. حين أفتح عيني وأرى تلك الأخاديد تجري على محياك، كأنها الأرانب المذعورة، أشعر بتفاهة الزمن، وأمسك بطرف حنقي وأشطب من الزمان كل أغاني الفرح وأنكب على صورة لمعت في عينيك، تحاكي الفائت من الأيام، وتشير إلى اللاشيء.