تغيب الطفولة في كل العام، لكنها تحضر في العيد، لِمَ الطفولة حاضرة تذكر، وتتذكر في العيد وتفاصيله؟ لِمَ هي مرتهنة بوقت الصغر البعيد، في حين تغيب عن عمر العشرين والثلاثين والأربعين القريب؟ هو ما يفعله العيد أنه يوقظ ذاكرة الصبا، ويجعلها تحوم، مثلما كان الصبي يحوم حول بيوت من طين، وسكيك مسيجة بالنخيل، وحول تنور الحارة، و«وخايف» شوي العيد، بتلك الفرحة البادية على الناس، والتي تستوطن قلوبهم الطيبة.
هذه العادة القديمة والتي تعد من الإرث والتقاليد الاجتماعية والطقوس الشعبية في مدينة العين، والآن تواجه مشكلة الانقراض والاختفاء من حياة الناس الجدد، حيث هجمت المدنية والحياة العصرية، وتغير المجتمع، وتباعدت الأسر، وغاب بيت الجد العود، وصغرت البيوت، وعدّوا تلك العادة عبئاً وجهداً كبيراً، خاصة أن الكثير من الأجداد والجدات فارقوا الحياة، وغابت معهم بعض أسرار تلك الطقوس وفرحة شواء العيد، والاحتفاء الجمعي، وجَدّت طرق عصرية غير تقليدية في إعداد شواء العيد تقوم بها المطاعم الشعبية، وتريح البيوت من التعب والعناء، ولكنها تفقد بهجة الناس، وتعطل ذاكرتهم، وتسلب منهم روحانية الأشياء الموروثة، وفضاء الجماعة.
لا أدري ماذا ستفعل الأجيال القادمة في عادة جميلة في مدينة العين، لو غيبت الأيام كل ناسها الحقيقيين؟ ولم تتواصل الأجيال، هذه العادة مرتبطة بعيد الأضحى دائماً، وهي طقوس الشوي، وعمل وخيفة العيد، حيث الجَمْعَة الطيبة في الاحتطاب، وحول النار، وأهازيج الرجال حين يتعاونون على شيء ما.. حتماً في يوم من الأيام، ستحل المطاعم الشعبية مكان تنور الحي، وستتغير طريقة تحضير وخيفة العيد، وستغيب أهازيج الجَمْعَة الطيبة، ربما هي العادة الوحيدة التي بقيت من أعياد زمان، لقد راحت عادة الأكل الجماعي للجيران طيلة أيام العيد الثلاثة، وغابت عادة الاقتصار على وجبة الفطور والعشاء في الأعياد من العين، وغابت طقوس كثيرة محاها العصر الجديد أو التطور كما يقولون.
سيكبر الأولاد على عادات أهلهم القديمة، وستتغير طريقة تحضير وخيفة العيد، قد يحضر ورق «الألمنيوم» بلمعته البرّاقة المستفزة، ويغيب الخصف والوخيفة، ونبات الشوع، وورق السمّن، والخلول، وستغيب أهازيج الجَمْعَة الطيبة، فلا يكون لشوي العيد ووخيفته التي يبات الناس ينتظرونها في صبيحة اليوم الثاني تلك الفرحة، وتلك الرائحة التي لم تتغير منذ أيام الزمن القديم.. وغداً نكمل