يموت الإنسان وتبقى الذاكرة تحصد أعماله، وتقرأ يده البيضاء وهي كتبت في الزمان خير ما يسعد الإنسان. رحل الطيب محمد عبيد الله، وبقيت رسالته على الأرض بخط مفرداته تنصع بلغة الفضيلة، وجزيل العطاء، وهكذا يبدو الإنسان دوما، أيقونة زمانه عندما تكون عقيدته ممزوجة بملح السخاء، وسكر العطاء، وعبيد الله يذكره أهل رأس الخيمة، وكل الذين مروا على مستشفاه القابع في منطقة الحديبة، ذلك المعلم التاريخي العلاجي.
حارس الفضيلة، قارئ تفاصيل ما يتعب الناس ويشقيهم، ليمدحهم بالعون، يساندهم بأمصال العافية، ينقذهم من معضلات الدهر، ويمنحهم مشية الصحة، ورفاهية النفس الطويل.
في هذا المستشفى، في هذا الطائر العملاق، ظهرت عيون تداوي أدواء، وتقدم الدواء لمن ساقتهم أقدامهم إلى ذاك الثلج والبرد، وكل من مر من هناك، وكل من زار هذه القلعة التاريخية يتذكر من بناها، ومن أهداها لأهله، وناسه، بغية المساهمة في رفع الضنك وكشف العلل، لأنه ما من رحمة أفضل من أن تعيد للإنسان صحته، ومن رحم عبداً من عبيد الله كأنه أحيى الناس جميعاً، والذين يندمجون في فعل الخير هم طيور جنات النعيم، هم الذين تستقبلهم ملائكة الرحمن يوم القيامة بصحائف الخير، ونعيم الجنات.
فكم من مثل محمد عبيد الله نحتاج، وهم كثر، ليكونوا عوارض خيمة الوطن، تحمي سقفك، وتشارك في بناء مشاريع الخير والمعروف، فكم قدم هذا الوطن، وكم أسخى، وأعطى، ومن يمد يده لخير الناس، فإنه يكون ذلك الجذر الطيب الذي يرتفع على عاتقه البنيان، وتستقيم حياة الإنسان، وتصبح الحياة خلية نحل، فيها الشهد، وشمعة اللذات، وشخص عبيد الله يمثل هذه الشريحة الوطنية التي مدت شراع الخير، فسافر الوطن عبر بحار الدنيا، مترفاً، هياباً منسجماً مع الوجود بحكمة الشرفاء، وفطنة النجباء من بني هذه الأرض الطيبة، وهذه الرقعة الجغرافية التي قدمت المثل، ونماذج الخير، قدمت رجالاً عاهدوا الله على أن يكونوا السند، والعضد، لمجتمع كان في أمسِّ الحاجة إلى أبنائه البررة، الذين يسومون النفس رخيصة من أجل أفعال الخير، ويقدمون بيد لا تدري اليد الأخرى، وهذه سمت كل الذين لا يريدون من وراء أعمال الخير سوى الأجر، وإسعاد الناس.
اليوم ونحن نستدعي الذاكرة، ونقرأ لافتة مستشفى عبيد الله في منطقة الحديبة، بالقرب من بئر الماء التاريخي، (طوي بوشج) تقفز إلى الذاكرة، صورة نساء مررن من جانب ذاك المستشفى، وهن يضعن صفائح الماء العذب على رؤوسهن، ويتجاذبن أطراف الأحاديث المسلية حتى يقطعن المسافة باتجاه منطقة المعيريض، واليوم بعضهن توفاهن الله، وبعضهن على قيد الحياة، ومن عاشت إلى اليوم تتذكر هذا المستشفى، وتتخيل الصور والمشاهد، وهي تزور هذا المستشفى لتلقي العلاج، أو تنام على أحد أسرته البيضاء، وترفع يدها وتطلب لهذا الرجل، رجل الخير، الرحمة والمغفرة.
رحل محمد عبيد الله، وبقي أثره الطيب، ونقول رحمة الله عليك، ومثواك الجنة بإذن الخالق