(من لديه سبب يعيش من أجله، غالباً ما يتحمل الحياة كيفما كانت) نيتشه. تذكرت هذا الكلام للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، وأنا أتابع مقابلة مع أحد أبناء الإمارات، والذي عبر بشكل شفاف، وراقٍ، وجميل عن تفاؤله بالحياة رغم معاناته من فقدان البصر.
قال الشاب بروح أرهف من ورقة الوردة، وأنقى من عيني الغزال، لم أشعر في يوم بالإحباط، وهذا لا يعني أنني واجهت مصاعب وأنا في طريقي للحياة، ولكن ما جعلني أعيش بشكل طبيعي كسائر البشر الذين يتمتعون بسلامة العينين، هو ذلك الدفء الذي طوقتني به أسرتي، ومنحتني الأمان النفسي، فوجدت لذة تحت غشاء العتمة السميك، وشعرت بالأمان وأنا أعبر مضائق وأمر من أزقة ضيقة، وأمضي في رمال الطموحات، مرور الأفلاك العملاقة في البحار الواسعة، شعرت بأن الحياة أعطتني أكثر مما أخذت مني، وأحسست بأن الهدف من الحياة لم يكسر أعواده فقدان البصر، بل العكس، ما جعلني أرى ما لا يراه الكثيرون، رأيت الجمال الروحي في هذا العالم، كما لمست النعومة في أشياء كثيرة اقتربت منها، مما أصحى الوعي في داخلي وأدركت أن البصر ليس هو الذي يقود الإنسان إلى الإحساس بجمال الحياة، بل هي البصيرة، عندما تتنعم بإحاطة أسرية واعية لأهمية الالتفاف حول بعضنا بعضاً، ليكون للحياة معنى، نضفر جدائله بأحاسيسنا، التي تصبح هي الأنامل التي تخيط معطف حبنا للحياة، وهي المخيط الذي يرتب أزرار قمصان تطلعاتنا، فلا نشعر أبداً بالعجز، ولا تعترينا حالة الانكفاء التي يعاني منها بعضهم، ولا ينتابنا الشعور بالنقص، فبالنسبة لي، ما مررت في يوم بحالة نكوص، ولا شعرت بخذلان الحياة لي، وكل ذلك حدث، لأنني ملكت ألباب أسرة محبة، مشبعة بمياه العواطف الرقيقة، منحتني أجنحة الطير فحلقت، وملأت الفضاءات نشيداً، وكتبت على سبورة المدى أغنيات الطفولة الرخية، وغزلت رداء رحلة الشتاء والصيف، من أهداب الشمس، ورسمت في دفتر أيامي صورة الإنسان الكامل، واليوم وأنا في سن الشباب، أجلس أمامك، (يخاطب المذيع) وقلبي مفعم بالود، والامتنان لأسرتي التي دعمتني، وعززت قدراتي، ومكنتني من عبور محيطات الحياة، وبالتشجيع، والكلمة العذبة، التي تشبه نسيم الفجر.
كل هذا السلوك، جعل للحياة في نفسي معنى، وجعلني أتقصى روح الحياة، من كلمات الأم المبهرة، من همس الأب المدهش، ومن مداعبة الأشقاء المذهلة. هذه تفاصيل حياة، وجغرافيا علاقات أسرية أشعر بالفخر عندما أستدعيها.
الأسرة هي كل شيء، وهي الشيء كله، الأسرة نبراس في الظلام، وبلسم في المحن، وعندما يحظى المرء بأسرة تعرف دورها، وتتقن ترتيب تفاصيله، ينتج عن ذلك أفراد أصحاء، يتمتعون بعافية نفس مطمئنة، وروح عالية، وقلب سليم.
فإن صحت الأسرة يصح الأفراد، وإن خابت، تكسرت الأعواد، ومالت الشجرة، تحبو على الأرض، يجرها الخذلان، والشيء الوحيد الذي يعظم من شأن الأسرة هو الحب، لأنه الترياق الذي يدفع الشر، ويرفع الكدر، ويمنح الأفراد إكسير السعادة، وقوة المعنى، وسلامة المعنويات.