يشغلني بشدة موضوع الذكاء الاصطناعي، وبقدر انبهاري من توليداته المتلاحقة في كل لحظة، وما تحمله من وعود هائلة للبشرية على صُعد شتى، أحمل بالمستوى ذاته قلقاً شديداً على الإنسان (الفرد) وقدرته الفعلية على إضافة قيمة للبشرية لن تتمكن هذه التقنية (AI) من تقديمها.
كلنا يعرف أن النصوص والأفكار والحلول التي يولدها الذكاء الاصطناعي مستمدة من ملايين بل مليارات النصوص التي أنتجها البشر عبر التاريخ. فقد جمع كتبنا ومعارفنا وحتى محادثاتنا التي جرت عبر ثقافات مختلفة، ثم أعاد ترتيبها وتحليلها وتصنيفها عبر خوارزميات حتى تمكن من إنتاج ما نراه من ردود سريعة في لحظات. إذاً في النهاية هو انعكاس لوعينا البشري وترديد لإدراكنا وحتى تحيزاتنا وأخطاءنا، فلماذا القلق إذاً!
ما يقلقني بل ويخيفني فعلاً، ليس قوة هذه التقنية، بل ضعفنا نحن كأفراد أمام إغراء حلولها الجاهزة. فكلما استسهلنا استدعاء ردودها السريعة، خسرنا شيئاً من جهدنا الفردي، من تلك البصمة الفريدة التي لا يقدر على إنتاجها غيري وغيرك! وهنا يكمن التحدي الحقيقي الذي أراه في أن نعيد تعريف دورنا كبشر في عالم تتسع فيه سلطة Ai، الذي أصبح يعرف ويقوم بكل شيء، فما الذي تبقى لنا لنضيفه نحن إلى هذا العالم، ولا يستطيع هو أن يقدمه؟!
لعل الجواب يكمُن في قدرتنا نحن على تحويل المعرفة التي يقدمها (Ai) إلى معنى في التجربة الحياتية الفردية، سواء عبر اتخاذ قرار أو تغيير حال، أو موازنة عواقب أطروحاته الاصطناعية، ووضع أولويات أخلاقية وثقافية وقت اختلاف المصالح بشأنها، أو، وهذا الأهم، ممارسة التفكير النقدي في ما يرد منه!
حتى الآن أنا على قناعة أنها مقومات بشرية لا تختزلها الخوارزميات لأنها معقدة جداً، وتحمل ضروريات اللحظة التي لا يملكها الذكاء الاصطناعي. لذلك سيظل كل ما ينتجه «غثاً» إن افتقدنا تلك البصمة في التعامل مع معارفه مهما يكن مستواها.


