لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال وصف التجربة الحسية بحذافيرها، ليس فقط لأنها عصيّة على الوصف بسبب شُح المفردات التي لن تفي المشاعر حقها، وإنما كذلك لأنها تختلف من شخص لآخر في درجاتها. وسواء أكانت هذه المشاعر ألماً أم فرحاً أم بؤساً - جميعها وغيرها العشرات من المشاعر - فإنه لا يمكن الإخبار بخصائصها الشعورية كما هي. ولهذا اتّجه البشر إلى الفن والموسيقى والشعر والصور البلاغية، لإحداث تأثير إقناعي. فإنْ قال أحدهم: أشعر بحرقان في جسدي، فذلك لا يُقارن بقوله: «جسدي يؤلمني وكأن النار استوطنت عروقي». ورغم ذلك فلن يختبر أحد حقيقة الإحساس الذي يكابده صاحبنا! 
تُعرف هذه الظاهرة في الفلسفة باسم «الكواليا»، أي الكيفية التي تبدو بها الأشياء لنا في وعينا الداخلي، إنها التجربة الشعورية ذاتها، وهذا البُعد يتجاوز التفسير اللغوي والمادي. ببساطة.. لكل منا تجربته الفريدة في الإدراك الحسي، حتى وإنْ كانت هناك عوامل مادية مشتركة، مثلاً يتألم أحدنا بقوة من وخزة الإبرة، وقد يكون الألم بسيطاً أو مُنعدماً لدى آخر، وهو هكذا مع كل التجارب الحسية الأخرى التي تمر على حواسنا من طعم ولون ورائحة. هذه الصعوبة والتفاوت في الوصف اعتبره الفلاسفة مُعضلة، فلا اللغة أو العلم يستطيعان نقل التجربة الشعورية كما هي.
لقد استعصى على العلماء والفلاسفة، فهم الكيفية التي تتحول فيها العمليات المادية في الدماغ إلى شعور حي. وإنْ كان العلم قد فسّر كيفية عمل الحواس، إلا أنه لم يفسر لماذا يصاحبها ذلك الإحساس الداخلي بالوجود. ولذلك بقي الرسم والشعر والموسيقى أكثر قدرةً من العلم على مقاربة التجربة الإنسانية، لأنها تحاول الإمساك بما يتعذر القبض عليه، وتترجم ما لا يُترجم. فبينما يسعى العلم إلى القياس والتفسير، يحاول الفن أن يصف ما لا يُوصف.. أن يمنحنا لمحة من «الكواليا»، تلك الومضة التي تفرّ من اللغة والعقل، لكنها تصنع جوهر إنسانيتنا.