كلنا تربّينا على قصة الراعي الكذّاب، هل تذكرونها؟.
تلك القصة التي قرر فيها الراعي يوماً، أن يمازح أهل قريته، فأخذ يصرخ مستنجداً: الحقوني الذئب.. الذئب سيأكل النعاج، هرع الناس لإنقاذه، فوجدوه يضحك. ضحكوا في البداية من طيشه، وفي المرة الثانية عندما كرر فعلته غضبوا. لكنهم لم يتجاهلوه تماماً حين فعلها في المرة الثالثة، فحين جاء الذئب فعلاً وهاجم غنمه، صرخ الراعي بكل ما أوتي من خوف.. لكن لم يصدقه أحد. جاء الذئب هذه المرة حقيقياً، فافترس النعاج.. والراعي، في كل مرة سمعنا فيها هذه القصة كنّا نحزن على نهاية الراعي الساذج، وتعلمنا أن الكذب مؤذٍ لصاحبه.
ولكن.. لم يخبرنا أحد أن الذئب لم يكن غائباً حين كذب الراعي في المرتين الأولى والثانية. نعم.. لقد كان يراقب من بعيد، كان الذئب حاضراً يتعلم من كذبات الراعي، ويترصد لحظة ضعف أهالي القرية حين يفقدون ثقتهم بالحقيقة. تذكّرت هذه القصة عندما انتشرت مؤخراً تلك اللعبة غير الموفقة، التي يلعبها الأولاد مع والديهم، باستخدام الذكاء الاصطناعي بإرسال صور عبر هواتفهم لوالديهم، تدعي وعبر الصور المفبركة أن هناك غريباً في بيتهم، فيهرع أهاليهم خوفاً، ما أشبه الراعي بأبنائنا اليوم في زمن تتكلّم فيه الخوارزميات بلسان البشر، وتقلد أصواتهم ووجوههم، فأصبحوا يلعبون بالصوت والصورة والمعلومة، يجرّبون الكذب تحت تسميات بريئة: مزاح، تحدٍ أو «تريند». ولكن من هو الذئب الذي يراقبنا في هذه اللعبة اللئيمة؟، هل هو الذكاء الاصطناعي نفسه الذي يتعلّم من كذباتنا الصغيرة حتى يتقن التزييف الأكبر ويلتهمها جميعاً؟، أم هو الذكاء الجمعي الذي بدأ يفقد ثقته بكل ما يسمعه ويراه غافلاً عن حقيقة مقبلة قد تكون كارثة؟.
في كلا الحالتين.. نحن نخسر. إننا نعيش في زمن يضحك فيه الناس من الكذبة الأولى، ويرتابون في الصرخة الحقيقية حين تقع، ما الذي يجعلنا نضحك على خداع الآخرين، ثم نغضب حين نُخدع؟، لماذا ضاعت الحدود بين اللعب والخطر، بين المزاح والجرم؟، وهل سنبقى نكرر قصة الراعي الكذاب، حتى يأتي ذئب رقمي حقيقي يتعلم من كل خدعة «مزحة» نقاط ضعفنا النفسية، ثم يتحول في النهاية إلى ذلك الذئب الذي أصبح أذكى من الراعي.