استيقنت محبتي لزيارة تلك الأضرحة والمراقد من ذاك الفضول الطفولي حينما كانت تصحبني عمتي والجارات لزيارة قبر الولي السكن بقرب شريعة الصاروج، حيث كان الناس يقضون نذورهم وزياراتهم نهار ذاك اليوم، وحتى قبل المغرب يذبحون الذبائح ويقيمون الولائم ليتحللوا من النذر والنية؛ لذا سافرت معي تلك المحبة إلى مراقد وأضرحة شيوخ الطرق والسلاطين العارفين، والأولياء الصالحين ممن يطيب المكوث عند عتباتهم، وطلب الرجاء، وتعليق الأمنيات على جدران مقاماتهم في مدن كثيرة تعنّيت لها:
- مزار «سلطان خوجاه أحمد عيسوي»، المولود في تركستان بكازاخستان، ذهب وهو صغير إلى الفقيه العالم «أرسلان بابا»، وقال له: أعطني شيئاً لي عندك! فتذكر الأمانة وحملها، ووزر حملها، وأدرك أن لهذا الصبي شأناً، فأخرج له نواة تمر جلبت من مدينة الرسول الكريم، فاعتنى به وعلّمه ودرّسه، وحين شبّ كرّس حياته لتبليغ العلم، حتى بلغ عمر النبي الكريم حين وفاته، فقال لتلامذته: حانت منيتي، فدخل في قبو، ولا أحد يعرف كم بقي فيه، حتى وجده تلامذته ميتاً، فدفنوه في مكانه، ولما هجم «تيمور لنك» على المدينة، سأل عن مدفنه، ولماذا الناس تقدسه؟ فعمل مرقدين فيها، واحداً له والآخر لمعلمه، وأوصى بأن يدفن تحت قدمي معلمه، وأصبحت مدينة تركستان فيما بعد مرقداً لكل الملوك والرجال العظماء، حتى تنصيب ملوك كازاخستان كان يتم في هذه المدينة، فيزف الملك المختار على سجادة بيضاء مصنوعة من وبر الجمل.
- ضريح «عكاشة تا»، كان رجلاً كازاخياً محارباً لم يهزمه أحد، حتى غُدر به، وكان أعزل من السلاح، فتفرق دمه من الضرب والطعن وقطع الأوصال، فكان قبره حيث تناثر دمه، لذا قبره يحتل مساحة كبيرة.
- ضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي بقصبة جزائر بني مزغنة في باب الواد.
- ضريح الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في دمشق الصالحية، بني حوله جامع محي الدين بن عربي أو الجامع السليمي نسبة للسلطان سليم الأول أو جامع الخنكار، وبجانب الضريح هناك قبرا ولدي بن عربي سعد الدين وعماد الدين، وقبر الأمير عبد القادر الجزائري الذي توفي عام1882م، ونقل رفاته إلى الجزائر عام 1966.
- ضريح مولانا أو «مفلانا» جلال الدين الرومي في قونيا بتركيا، حيث يجتمع محبوه ومريدوه من مختلف الديانات والملل والنحل كل عام تخليداً لذكرى وفاته في ديسمبر من كل عام، ويعرف بـ«شَبِ عروس» من 7 إلى 14 ديسمبر، وزواره يزيدون على المليونين، صاحب كتاب «مثنوي معنوي» وكتاب «فيه ما فيه» و«التبريزي»، والطريقة المولوية «دارفيش» التي أسسها ابنه «سلطان ولد».
- ضريح «سلطان الأولياء» أو مرقد ومسجد عبد القادر الجيلاني أو الحضرة القادرية في بغداد على جانب الرصافة في باب الشيخ، طالب العراق برفات قبر هارون الرشيد من إيران، فرفضت إلا بمقابل نقل رفات عبد القادر الجيلاني إليها، مدعية أنه مولود في كيلان عند بحر قزوين، في حين الدراسات تجمع على أنه ولد بمحلة جيلان بالمدائن.
- هناك العديد من الأضرحة والمقامات التي مررت بها في زياراتي للمدن المختلفة، لكن هذا ما اتسع له المقال والمجال.