نتغير مع التغيرات، ونتحول مع المتحولات، وتبقى الثوابت حارسة الأمل المنشود، في رقينا وتطورنا، وأحلامنا الزاهية، وطموحاتنا الرائقة، وأهدافنا واسعة الظلال، هذا ما تؤمن به الضمائر الحية، وهذا ما تنتمي إليه العقول الواعية، وهذا ما تصبو إليه أرواح العشاق، عشاق رائحة الوطن وإرثها العريق، ومآثرها العميقة الجذور.
اليوم ونحن نمضي باتجاه المستقبل، نضع الحلم بين الرموش، يزهر بالآمال، ويزدهر بالأمنيات، ويعلو كعب الإصرار على أن نكون نحن، لا غيرنا، نكون في صلب الهوية، نرسم صورة الإنسان الذي تطور وفي قلبه يسكن وطن، وطن له في الدنى مشاعر كأنها النخلة، أغصانها في السماء، وجذورها في الأرض، وما بينهما سؤال الوجود من أنا.
سارية تعلو، وأخرى تصفق للمستقبل بقماشة الفرح، ولون الأبيض الزاهي، والأخضر اليانع، والأحمر المتألق وجداً وكداً، والأسود كحل العين وإثمدها، وجمالها، ورونقها، وبراعتها، ومهارة الأوفياء الذين يحلمون، ويجعلون من الحلم راية بيضاء من غير سوء، وسارية تحمل على عاتقها استمرار التألق، واستدامة الأناقة في عالم لا ينظر إلا إلى البريق الأخاذ، والأناقة المنحوتة بأنامل كأنها الشعاع يصقل المهج، ويبري أسنان الأقلام المبدعة في صناعة الحلم، وصياغة المستقبل، وكتابة حروف التاريخ، بعبقرية من احترفوا الكتابة على الماء، بمهارة وشوق، وتوق.
اليوم ونحن نقترب من سنة جديدة، ونخلف وراءنا سنة أخرى، وفي قلوبنا تسكن صورة المستقبل، من دون أن تنمحي لوحة الماضي من ذاكرتنا، بل نحن نبني على الماضي قلاع التقدم، ومن خلالها ننظر إلى الأحدث، نمسك بتلابيب الجملة المعرفية، ونعرف المستقبل بأنه وليد الماضي، والماضي فلسفة الابتكار لغد مشرق، لا يسرقه النهار، بل يوعز إليه بناء الضوء من أفكار كأنها المصابيح، وعبارات كأنها الخيط في زخرفة الورقة اللونية، معلقة على سبورة وعينا، ولا يمكن للماضي أن يغيب طالما حضرت أمنياته، واستتبت طموحاته عند مضارب المستقبل.
سوف نكتب للماضي، رسائل حب مغلفة بأشواق وحنين، وسنقول للمستقبل، هذا جذرك، هذا خدرك، هذا حصنك، هذا كلك وبعضك، وهذا حلمك الذي حملته بين الضلوع، فأصبح اليوم واقعاً يمشي على البسيطة، يختال ضاحكاً، وأنت.. أنت في الحياة يا مستقبل الأجيال، أنت القيمة والشيمة، أنت الصبر، ورمية الرامي وهو يصطاد غزالة الفرح، ويضع كلمة في أحشاء السماء نجمة تحرس المعطى، وتحمي المنجز من يد غاشمة، ومن ضمير متكاسل.. كل ذلك والهوية تفرض وجودها، في المكان، والزمان، ولا حدود لوجودها، كونها السماء التي تحفظ ودنا مع أنفسنا، وكونها الأرض التي نضع في تربتها بذور استدامتنا.
والرواية تستمر في بناء أحداثها، وتشكيل شخوصها، وتحديد خط ارتفاعها، وتفرعها، وكل ما يلزم في صناعة الأمل، وكل ما يجب وجوده من أجل الوجود.


