منذ الخيمة والعريش، ومنذ القارب بمجدافين وسفينة النخل، ومنذ النخلة وسلة الرطب، كان الإنسان، الإنسان الإماراتي في حله وترحاله، كائناً اجتماعياً تقوم حياته على التعاون والتعاضد والتضامن، فالريح التي تأتي وتبعثر عظام الخيمة، كانت السواعد السمر لها بالمرصاد، تتحدى الطبيعة بحماس الوعي، بأهمية أن يكون التطوع من أجل مساعدة الآخر هو الرافعة التي تنهض بالإرادة لتكون ضلعاً، يسند قلوب المحتاجين، ويسد عوزهم، ويحميهم من مد اليد.
وكان البحر الذي يهاجم سفن العبور إلى مناطق الرزق، ويغرق لوحها لتصبح فريسة للموجة العارمة، هنا، تهب الأرواح الشريفة، هبة رجل واحد، وتعمل على منع الأسى عن قلب مبتل، وتساعد بكل ما أمكن لمنع الأذى وكف البليّة، وما إن تجتمع الإرادات، حتى ينجلي الهمُّ، ويذهب الغمُّ، ويشفى الألم، وتعود المياه إلى مجاريها، وهكذا كانت رحلة الإنسان في المعمورة، هكذا كانت سيرته ومسيرته ومسراته، مشمولة بالتعاون والعمل على سد الحاجة، ورفد المحتاج بما يحتاج إليه، كانت حياة مثيرة، مبعثها جدلية أن نكون أو لا نكون، ويجب أن نكون جماعات حتى لا تتكسر عصي الإرادة، وحتى لا تنحني أشرعة السفر، وحتى لا تنثني ظهور المنتمين إلى وطن سره في سبره، وسبره أنه وطن الإنسان الكامل، إنسان أخذ من شريعة النحل شهد الحياة، ومن قانون النمل وحدة المصير، ولهذا كان التطوع نقطة انطلاق وتواصل، لا تنفصل عراه، ولا تختزل وسائله، وكل من عاش على هذه الأرض، سواء كان مواطناً أو مقيماً، في الحاضر أو الماضي، سجل في الذاكرة قيمة التطوع الذي عاشه الإنسان الإماراتي، شيمة أهل الإمارات في هذا المجال.
اليوم نتذكر ما كان، ونشهد ما يكون، ونرى الانسجام بين الأزمنة، هي الأخلاق الإماراتية، فمهما تبدلت أحوال، وتغيرت ظروف، تبقى الثوابت عامرة بأهلها، وتبقى الأولويات زاهية بمصابيح من يعظمون حياة التعاون، ويجعلونه حكم السماء على الأرض.
اليوم تعمل القيادة الرشيدة على وضع الثوابت هذه موضع الرمش من العين، وتسنُّ القوانين لرفدها بالقوة والصرامة، والصمود أمام المتغيرات الاجتماعية، ومواجهة التحولات بثبات وثقة، حيث لا يتضادّ التحول مع الثبات، بل يعزّز كل منهما الآخر، حتى تستمر الحياة في توازنها وقدرتها على عبور ممرات الظروف المتحولة، والتاريخ هو الميزان لصدق النوايا، والإمارات تكافح من أجل أن يستمر التطوع معيار نجاح، وميزان ظفر، وقوة اجتماعية تواجه المعضلات، وتتحدى الظروف، وتنجز مشروعات الوطن، ومتطلبات المستقبل بعزائم الرجال والنساء الذين رسموا صورة التطوع منذ زمن بعيد؛ لكونه الخيط الذي يربط الإنسان بالإنسان، ويحمي منجزاته، ويحفظ طموحاته، ويمنع عنه شر العاديات.


