المشاوير والجولات في العاصمة أبوظبي، تأخذك في حلقة من حلقات الرؤية الجمالية لحدائق أصبحت اليوم في عاصمتنا لوحات فنية، تفصح عن مكنون جمالي ليس على الأرض بل في النفس الإماراتية التي تزدهر بجمالية شائعة وشاسعة ورائعة وممتعة، جلية تعبر عن أن الإنسان في هذا الوطن فنان بالفطرة، يحتفي بالجمال في سلوكه ولغته، وثقافته ونظرته إلى الحياة، وعشقه للجمال، وبالصورة بشكل خاص.
قرار دائرة البلديات والنقل بجعل الجمال المكاني جمالاً للمناسبات التي تحييها المؤسسات والمدارس، جاء إيماناً من مسؤولي البلديات بأن للأخضر سحره، وللوردة رونقها في الضمير الوطني والإنساني؛ مما يجعل الاستفادة من الجمال ليس للمتعة فحسب، بل في رسم العلاقة ما بين العين الناظرة والقلب النابض بالإحساس، والعقل المفسر لتفاصيل الجمال في روح الأشياء من حولنا.
رؤية متقدمة، وسلوك حضاري مبهر، وقرار منفتح على الجمال بصورته الفطرية، وإنتاج جمالي من نوع آخر، غير تقليدي، وغير رتيب، إنه الفكر المتجدد، المتحد مع رؤية عامة تنتهجها الدولة في ربط العلاقة بين مفاصل منتجات الطبيعة، وحاجة الإنسان إلى خيط رفيع، يمنح علاقتنا بالحياة علاقة حب وشغف دائماً.
اليوم عندما تحمل نفسك وتعزم على زيارة حديقة من حدائق الوطن العامة، تشعر أنك تلج مدينة جاءت من عوالم ما ورائية تزخر بالجمال لكونه الصيغة المناسبة والحقيقية لبناء مشاعر إنسانية تفيض بالجمال كفن، وبالجمال كغصن يترنم بين ورده طائر ملأه الحنين إلى جمال العينين، واشتاقت روحه لقمحة الحياة، وما بين الغصن والفن حكاية الطير الذي صنع مجده من رائحة زهرة تألقت في الصباح، فأهدته العطر فياضاً، فحلق، وحدق، ونمق الجناحين وهو يسرد الرفرفة قصة رومانسية، تفرد العبارة من حركة، ومن بركة الخلق، عندما يكون الجمال سر وجودها، وحب الجمال لغتها في التغريد، ورفع النشيد عالياً، لأجل حياة تلون مشاعر مخلوقاتها بالحب، وتزخرف المشاعر، بمنمنمات تبدو في الوجود نجوماً رائقة تنثر النور في الضمائر، وتمضي حقباً في الحياة.
اليوم يشكر الطير من لوّن حياتنا بحب الجمال، ويغني للإنسان مبتهلاً لله تعالى، بأن تنعم بلادنا بجمال الخَلق، والخُلق، وتستمر في عطائها الجمالي، وتستمر بالفيض، وتمنح الإنسان وأشقاءه الكائنات الأخرى مزيداً من الرونق، ومزيداً من التألق؛ لأن الحياة وجدت كي تكون حديقة للجمال، ويكون الإنسان طائرها المغرد على الأغصان، وتكون الحضارة حقيبة عملاقة تحمل في أعماقها فاتر عشق الإنسان للحياة، وللجمال.
شكراً لدائرة البلديات، شكراً للذين يمنحوننا الجمال، ويكتبون على سبورة حياتنا، الجمال نفحة من نفحات الرحمن، يهبها لمن في قلبه نبضة حب، ورفرفة طير يسكن المهجة، وعشه على شجرة الأحلام الزاهية. نزفّ شكرنا للذين يحملوننا مسؤولية الحفاظ على جمال الوطن، ويشيعون الفرح كنسيم تخفق له الأرواح، وتنتشي الأفئدة. شكراً للأوفياء لوطن أحبه الله، فحبب فيه خلقه.


