واشنطن (الاتحاد)
انطلقت أول أمس الأربعاء، في العاصمة الأميركية واشنطن، أعمال المؤتمر السنوي الثاني الذي ينظمه مركز تريندز للبحوث والاستشارات، بالتعاون مع مؤسسة المجلس الأطلسي «Atlantic Council» على مدار يومين، تحت عنوان: «الأمن المستدام في الشرق الأوسط: تحديات وآفاق التغير المناخي»، ويستضيف مقر المجلس الأطلسي جلسات المؤتمر التي تشهد مشاركة وزراء، ونحو 30 خبيراً سياسياً وأكاديمياً وباحثاً ومتخصصاً في قضايا البيئة والمناخ والأمن من مختلف دول العالم.
مخاطر حقيقية
افتتح أعمال المؤتمر معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، حيث أكد معاليه أن مخاطر تغير المناخ في الشرق الأوسط حقيقية بكل معنى الكلمة، فالمنطقة عانت لقرون من تحديات المياه ودرجات الحرارة القصوى، كما أن الاحترار العالمي مرشح لأن يخلِّف عواقب بالغة الخطورة خلال فترة وجيزة نسبياً، ولدى إضافة عامل النمو السكاني والحاجة إلى دعم السكان الجدد، تصبح التحديات الماثلة أمامنا أكثر إلحاحاً وجسامة.
وشدد معاليه على ضرورة التزام الحكومات بمبدأ الاستدامة في كل خطوة تخطوها، مؤكداً أن هناك حاجة لبذل جهد منسق في جميع دول منطقة الشرق الأوسط، لتشجيع وتنسيق التخطيط الإقليمي ووضع البرامج الرامية إلى حماية واسترجاع النظام الإيكولوجي في المنطقة، إلى جانب تبادل المعلومات بين الأجهزة الحكومية والبلديات والقطاع الصناعي ومنظمات المجتمع المدني والجامعات في المنطقة للمساعدة على وضع الحلول للجوانب المحلية والإقليمية لتغير المناخ.
وأكد معاليه ضرورة إرساء نظام تعليمي يدعم الاستدامة البيئية، كما شدد معاليه على ضرورة وضع برنامج لتوجيه عامة الناس وتوعيتهم عبر حملات إعلامية.
تحرير العقول
وأوضح وزير التسامح والتعايش بدولة الإمارات أن التصدي لتغير المناخ يؤكد أهمية إرساء شراكات دولية للمساهمة في تحرير العقول لترى العالم من زاوية مختلفة، ولا بد أيضاً من أن يسود السلام والاستقرار في المنطقة، لأن الحروب والصراعات تخلِّف كوارث بيئية لا يمكن تخيُّل أبعادها، كما أنها تعوق القدرات على التعامل مع تغير المناخ، مضيفاً أن دولة الإمارات على دراية تامة بقضايا المناخ والبيئة، وتعتزم أن تثبت لبقية دول العالم أنها تسير في مقدمة الركب ولديها رؤية حكيمة في مجالات الطاقة وكفاءة الموارد والتعامل مع البيئة، كما أن الإمارات تتشارك مع الشعوب داخل الشرق الأوسط وخارجه في التحدي المتمثل في كيفية التعامل مع هذا الخطر.
وذكر أن المؤتمر السنوي الثاني الذي ينظمه «تريندز» بالتعاون مع المجلس الأطلسي، سيساعد على النهوض بأعمال وخطط تغير المناخ كافة، وقال: «أتفق مع الوعد والآمال التي ينطوي عليها هذا المؤتمر بأننا بالفعل قادرون على إحراز تقدم ملموس على صعيد قضايا البيئة، وأن الوقت لم يفت بعدُ لكسب هذه المعركة ضد تغير المناخ في الشرق الأوسط، وبأن الخطوات التي نتخذها سيكون لها أوقع الأثر في حياة أولادنا وأحفادنا».
حلول ذكية
بدوره، قال معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومبعوث دولة الإمارات الخاص للتغير المناخي، في كلمته الرئيسية، إن المؤتمر منصة مثالية لمعالجة موضوع اليوم المتمثل في إيجاد حلول ذكية للتحديات المناخية الرئيسية، حيث إن المجتمع العالمي يواجه آثاراً عميقة لتغير المناخ، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست استثناءً، مشيراً إلى أن المنطقة ما فتئت تعيش في ظل مخاطر الحرارة الشديدة والتصحر وندرة المياه منذ عقود، وفي الوقت نفسه، تظهر الريادة في القدرة على الصمود والاستجابة الاستباقية، حيث تحتضن المستقبل وتعتمد على التكنولوجيا وتستخدم الشمس لمصلحتها الطبيعية، كما نما الاستثمار في الطاقة النظيفة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر من أربع مرات عنه في العقد الماضي، ومن المتوقع أن تتضاعف الطاقة المتجددة في السنوات الخمس المقبلة. وأكد أن الإمارات كانت من أولى الدول في المنطقة التي ترى إمكانات الطاقة الشمسية، ليس فقط كمصدر للطاقة النظيفة، ولكن كمسار للمعرفة والمهارات والوظائف الجديدة، مشيراً إلى أن القيادة الإماراتية بدأت الاستثمار في الطاقة الشمسية منذ عقدين من الزمن، حيث استثمرت أكثر من 50 مليار دولار أميركي في مشاريع الطاقة المتجددة في 70 دولة، ولديها خطط طموحة لتوسيع بصمتها العالمية في مجال الطاقة المتجددة إلى ما يزيد على 100 جيجاوات بحلول نهاية العقد، كما قامت ببناء أول منشأة صناعية لاحتجاز الكربون في المنطقة، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعمل بالطاقة النووية النظيفة.
أمن الطاقة
وأشار الدكتور سلطان أحمد الجابر إلى أن الرياح والطاقة الشمسية هما المصدران الأسرع نمواً في قطاع الطاقة، إلا أنهما لا يزالان يمثلان 4% فقط من مزيج الطاقة العالمي، ولا يمكن تجاهل الحقائق الحالية لأمن الطاقة. لذلك، فإن دولة الإمارات بوصفها مورداً مسؤولاً وموثوقاً للطاقة، ستواصل الاستثمار في إنتاج الهيدروكربونات، مع ضمان بقائها أقل كثافة كربونية في العالم، مضيفاً أنه مع اقتراب مؤتمر الأطراف السابع والعشرين «كوب 27»، سنعمل عن كثب مع مصر والمنطقة والمجتمع الدولي لإيجاد حلول ذكية عبر التخفيف والتكيف والتمويل، وبينما تستعد الإمارات لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف العام المقبل، فإننا سنقود الزخم نحو مزيد من التقدم المناخي من خلال خطط عملية وقابلة للتنفيذ، وسنبني الإجماع من خلال عملية شاملة، وسنقوم بسد الفجوة بين الطموح والعمل والخطاب والنتائج.
خطوات عملية
من جانبه، أكد الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، في كلمته أمام المؤتمر، أن ظاهرة التغيرات المناخية باتت من أخطر الظواهر التي تهدد الأمن المستدام للعالم كله.
وذكر الدكتور العلي أن منطقة الشرق الأوسط ستستضيف الجولتين المقبلتين لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ «كوب 27» الذي سينعقدُ في مصر، و«كوب 28» الذي ستستضيفُه الإمارات، وينتظر العالم من هذه القمم خطوات عملية والتزامات دولية أقوى، مشيراً إلى أن المؤتمر السنوي الثاني لـ «تريندز» سيكون فرصة مهمة لطرح الأفكار والتصورات التي تساعد في دعم الجهود الإقليمية والدولية، والوصول إلى فهم أفضل للتحديات التي أعاقت الجهود السابقة، من أجل تجاوزها وتحقيق الأهداف المنشودة، ولاسيما على صعيد تحقيق الأمن البيئي المستدام في منطقة الشرق الأوسط.
مخاطر وجودية
وألقى ديفيد ليفينستون المستشار الأول للمبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لشؤون المناخ، كلمة رئيسة، قال فيها إن مخاطر المناخ وجودية وتتعلق بمستقبل الحضارة، مؤكداً ضرورة بذل المزيد من الجهود لبناء شراكات تشمل الجميع ووضع برامج بناءة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تكتسب أهمية خاصة في هذا المجال بسبب تحدياتها وتشابكاتها المتعددة مناخياً وسياسياً واقتصادياً، مطالباً دول العالم بالوفاء بالتزاماتها الحالية، وتعزيزها لحماية البيئة. وأشار إلى دور الولايات المتحدة في مواجهة التغير المناخي، مؤكداً إدراك إدارة الرئيس جو بايدن لهذه التحديات.
وشدد ديفيد ليفينستون على ضرورة العمل مع الحكومات والقطاع الخاص لدعم الاستثمارات وتعزيز المرونة في مواجهة التغيرات المناخية. وخلص إلى أهمية العمل في اتجاهات ومجالات ابتكارية عدة لإيجاد سبل جديدة لمواجهة تحديات المناخ، مشيراً إلى أن هناك فرصة لتحقيق ذلك بالاستقرار في سوق الطاقة والحد من التلوث البيئي وخفض حرارة الأرض من أجل مستقبل الأجيال المقبلة.
سياسات مبتكرة
وأكد جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة «سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط» - برامج الشرق الأوسط التابعة لمؤسسة المجلس الأطلسي، في كلمته الترحيبية، أن مؤتمر «الأمن المستدام في الشرق الأوسط: تحديات وآفاق التغير المناخي»، يناقش موضوعاً مهماً جداً على المستوى العالمي، لأنه متعلق بالأمن المستدام والتغير المناخي الذي يؤثر على جميع سكان العالم، والشرق الأوسط غير منفصل عن العالم، فالمنطقة تعاني من ندرة المياه والهجرة وارتفاع درجات الحرارة والجفاف الذي يؤثر على حياة البشر.
وأوضح جوناثان بانيكوف، أن المنطقة تواجه صعوبات عدة بسبب التغيرات المناخية التي تحتاج إلى تدابير وحلول إضافية لمواجهتها والتصدي لها، وهناك دول حول العالم توصلت إلى حلول مبتكرة للتغلب على الصعوبات البيئية أسهمت في تعزيز الأمن المستدام. فالتغلب على كارثة التغير المناخي يتطلب حلولاً ذكية وسياسات مبتكرة.
الأمن الوطني والتغير المناخي
بدأت فعاليات اليوم الأول من المؤتمر بثلاث جلسات رئيسية، حملت الأولى منها عنوان: «الأمن الوطني والتغير المناخي والشرق الأوسط: التحديات الراهنة وآفاق المستقبل»، حيث ألقت الضوء على منظور التغير المناخي والأمن الوطني في المنطقة وتمظهرات هذه القضايا في الشرق الأوسط، وأدارت النقاش رينا نينان، الباحثة الأولى غير المقيمة لدى مركز أدريان آرشت - مؤسسة روكفلر للمرونة، التابعة للمجلس الأطلسي، واستهلت الجلسة الدكتورة عائشة السريحي، زميلة باحثة في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية، وتحدثت حول «تمظهرات التغيُّر المناخي في الشرق الأوسط وتداعياته على استقرار المنطقة».
تعزيز المرونة المناخية
وتوقعت السريحي أن يؤثر التغير المناخي تأثيراً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط، في ظل انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وتزايد حدوث الظواهر الطبيعية المتطرفة، ويمكن أن تتخطى تداعيات التغير المناخي ندرة المياه والأمن الغذائي والخسائر الناجمة عن حالات الطوارئ، وأن تفاقم التوترات القائمة أو توجد توترات جديدة يمكن الشعور بها ليس فقط داخل حدود الدول، ولكن أيضاً على مستويات عابرة للحدود الوطنية، مبينة أنه على الرغم من وجود اهتمام متزايد بمعالجة الترابط بين المناخ والأمن، فإن المعاهدات البيئية العالمية تفتقر حتى الآن إلى أي ذكر للعلاقة بين المناخ والأمن، إلى جانب جعل العلاقة بين المناخ والأمن جزءاً لا يتجزأ من الأنشطة والحوارات المجتمعية المتعلقة بالمناخ، كما يجب إدخالها ضمن التخطيط التنموي الوطني بحيث يمكن معالجة تأثيرات التغير المناخي بطريقة منهجية وشاملة، من أجل تحقيق الأمن المناخي في المنطقة وجعله جزءاً لا يتجزأ من الأمن الوطني والإقليمي.
الاحترار العالمي والصحة
وتطرق مازن ملكاوي، المستشار الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، إلى «التغيرات البيئية وآثار الاحترار العالمي في الصحة العامة»، موضحاً أن منظمة الصحة العالمية قدرت الآثار الصحية للمناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأنها ثاني أسوأ التأثيرات في العالم، بعد أفريقيا مباشرة، حيث تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حالات طوارئ متعددة من جميع المخاطر - الطبيعية والبيولوجية والمجتمعية والتكنولوجية - ما يؤدي إلى عبء كبير من الأمراض والوفيات، حيث إن المنطقة موطن لقرابة 101 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية (43% من الإجمالي العالمي) وهي مصدر 64% من اللاجئين في العالم، وتمثل حالات الطوارئ التي طال أمدها، وتتفاقم بفعل مخاطر الهجمات على الرعاية الصحية - تمثل تلاقياً بين المخاوف المتعلقة بالأمن الإنساني والصحي.
الظواهر الطبيعية المتطرفة
أما كارول شوشاني شرفان، مديرة المركز العربي لسياسات التغيُّر المناخي، ومديرة مجموعة تغيُّر المناخ واستدامة الموارد الطبيعية في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، فتناولت «الارتباط بين الظواهر الطبيعية المتطرفة وزيادة تدفقات الهجرة»، مبينة أن تغير المناخ يؤدي إلى زيادة الضعف في الشرق الأوسط، لأن درجات الحرارة في المنطقة أعلى بما يقرب من 1 درجة مئوية مما كانت عليه في بداية هذا القرن، ومن المتوقع أن تزداد بنسبة تصل إلى 2.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن، ما سيسهم في انخفاض الإنتاج الزراعي، وزيادة الطلب على الطاقة لتحلية المياه، مضيفة أنه ينبغي توخي الحذر لتجنب الارتباط المباشر بين المناخ والهجرة، حيث إن القدرة على التكيف لها تأثير عميق على قرار ما إذا كانت الأسر أو الأفراد سيهاجرون أم لا، ولكن يمكن للتدخلات الاجتماعية والاقتصادية والاستثمار في التكيف تقليل المخاطر وتعزيز المرونة والتخفيف من تدفقات الهجرة، ما ينصب في مصلحة الأمن البيئي.
التكيف والتنمية المرنة
من جهته، تحدث الدكتور بول جيروم سوليفان، المحاضر بجامعة جونز هوبكنز، والباحث المتعاون لدى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، والباحث غير المقيم في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، في محور «التغيُّر المناخي بوصفه تحدياً جيوسياسياً: التكيف والتنمية المرنة»، وتطرق إلى السيناريوهات المحتملة للتغيُّر المناخي العالمي في العقود المقبلة، وكيف يمكن أن تؤثر تأثيراً مباشراً وغير مباشر في المنطقة، وكيف يكمن أن يؤثر التغيُّر المناخي العالمي والإقليمي على الجوانب الاقتصادية والتجارية والسياسية والدبلوماسية والاستراتيجية في المنطقة، كما ركز على العلاقة المعقدة بين أمن الطاقة والأمن المائي والغذائي والاقتصادي.
وقال إن أزمة المناخ تتطلب تفكيراً استراتيجياً وجهداً عالمياً جماعياً لمواجهة تبعاتها، مشيراً إلى أن العامل الاقتصادي يلعب دوراً محورياً في جهود المواجهة، ما يتطلب إيجاد بدائل بالتوجه إلى الطاقة النظيفة كالرياح والشمس، مبيناً أن الجميع مُطالبون بالعمل من أجل وضع برامج فعالة لتخفيف الآثار المناخية، لأن تكلفة عدم إيجاد حلول سريعة وناجعة ستكون كبيرة ومؤثرة على مستقبل البشرية.
ندرة الموارد والنمو السكاني
وحملت الجلسة الثانية عنوان: «تأثيرات ندرة الموارد والنمو السكاني في الشرق الأوسط»، وأدارها الدكتور كريستيان ألكسندر، رئيس قسم الدراسات الاستراتيجية في «تريندز»، وناقشت تأثيرات الحرب الروسية - الأوكرانية في واردات الشرق الأوسط الزراعية الرئيسية، مثل القمح، وكذلك التحديات التي تواجهها المنطقة من حيث ارتفاع الطلب على الغذاء والمياه، خصوصاً في ضوء الزيادة المتوقعة في تعداد سكان المنطقة.
توازن سكاني
واستهل النقاش الدكتور إيكارت ويرتز، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط - المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية، وتطرق إلى «التوقعات المستقبلية وتداعيات نمو سكان المنطقة والجفاف على البنية التحتية الخاصة بأنظمة الغذاء والمياه»، موضحاً أن عدد السكان في دول مجلس التعاون الخليجي يشهد نمواً نسبياً، ولكن في أعوام 2050 إلى 2060 ستنخفض نسبة السكان، ما يرجح بزيادة مستويات الهجرة إلى المنطقة، ويترتب على ذلك إيجاد حالة من التوازن في نسبة السكان، ولكن من غير المحتمل وجود زيادة في الطلب على السلع والمنتجات.
وأوضح أن المنطقة تعاني من ندرة المياه، ما يؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي.
حروب المياه
بدوره، تحدث الدكتور هاري فيرهوفن، باحث أول لدى مركز سياسة الطاقة العالمية جامعة كولومبيا، عن «الأهمية الاستراتيجية للمياه وتنامي مفهوم الصراع على المياه العابر للحدود في الشرق الأوسط»، حيث أشار إلى أن هناك علاقة بين السياسة والمياه، حيث إن ندرتها ونقصها يشكل سبباً رئيسياً للصراعات والنزاعات، محذراً من أن الحروب المقبلة قد تكون بسبب المياه، مشدداً على الحاجة إلى تحقيق نوع من المساواة والعدالة في التوزيع.
نظام بيئي مرن
أما حنان بكر صقر، رئيسة مرونة التمويل في فريق أبطال التغير المناخي رفيع المستوى التابع للأمم المتحدة، فتناولت في حديثها «تأثير التغيُّر المناخي في عمليات سلاسل الإمداد»، مؤكدة أنه في خضم الحرب الأوكرانية - الروسية، من الحكمة أن تستثمر المنظمات بشكل استراتيجي في الموارد والقدرات والأفراد والعمليات والهياكل والتكنولوجيا المستدامة للتنقل في المخاطر الناشئة عن تغير المناخ والأحداث الجيوسياسية، وينطبق هذا بشكل خاص على ندرة الغذاء ومخاوف أمن الطاقة التي كانت محسوسة على نطاق واسع على مستوى العالم، ما يسهم في تآكل الثقة بسلاسل التوريد وتضخم الأسعار، ووسط هذه التحديات تزداد قيمة الصمود، كما يركز العديد من القادة والاستراتيجيين بشكل مكثف على تطورات المرونة وفرص الاستثمار، ويتطلب الأمر إنشاء نظام بيئي مرن.
صناعات الطاقة والبنية التحتية
وجاءت الجلسة الثالثة من المؤتمر تحت عنوان: «صناعات الطاقة والبنية التحتية والسياسة في الشرق الأوسط: فرص وتحديات الانتقال إلى طاقة نظيفة»، وأدارتها إيرين سيكورسكي مديرة مركز المناخ والأمن، ومديرة المجلس العسكري الدولي للمناخ والأمن، وتطرقت الجلسة إلى كيفية الانتقال لنظام طاقة تلعب فيه التكنولوجيات الصديقة للبيئة ومصادر الطاقة النظيفة المستدامة دوراً مهماً.
أنظمة طاقة آمنة
أما الدكتور زهير حميدي، مدير البرنامج الإقليمي في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، في محور «دور الشراكات الصناعية في الانتقال إلى أنظمة طاقة آمنة ومنخفضة الكربون»، فقد أكد أن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمتلك إمكانات وموارد غنية تمكّنها من النهوض بمستقبل الطاقة المتجددة، ولكن الاستفادة من هذه الإمكانات تتطلب استثمارات رأسمالية كبيرة، كما تحتاج إلى معرفة أهداف وخطط الطاقة المتجددة الطموحة ودمجها في إطار خطة إقليمية، مثل الاستراتيجية العربية للطاقة المستدامة 2014-2030، مع أهمية وضع سياسات تمكينية وأطر تنظيمية ومالية لتأسيس استثمار متعلق بالبيئة ودعم تطوير مشاريع الطاقة المتجددة.
حلول مستدامة
تناولت سفيلتانا إدميدس، الخبيرة الاقتصادية والزراعية في مجموعة البنك الدولي: «استراتيجيات الأمن الغذائي الإقليمي وتأثيرات الحرب في أوكرانيا في الواردات الزراعية الرئيسية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، موضحة أن الأمن الغذائي تأثر كثيراً بالحرب في أوكرانيا، ما يتطلب وضع نظام غذائي قادر على الصمود والتكيف مع الظروف الطارئة، لأن التضخم في الأسعار سيستمر حتى عام 2023، ومن الضروري أن تعمل الدول والمنظمات ومراكز الأبحاث مع بعضها البعض لدمج الجهود وطرح حلول مستدامة، فضلاً عن الحاجة إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في المشروعات التي تركز على الأمن الغذائي والتكنولوجيا وأنظمة الإنذار المبكر، إلى جانب تطبيق سياسات أكثر مرونة لمواجهة الكوارث، وتعزيز المرونة والقدرة على الصمود في مواجهة الأزمات لبناء نظام غذائي قوي وقادر على الصمود.
أهداف الاستدامة
الدكتور بورا غوراي، مدير مركز إسطنبول الدولي للطاقة والمناخ - جامعة سابانجي، أوضح في حديثه عن: «تحولات الصناعات الرئيسية كثيفة استهلاك الطاقة في سعيها للتواؤم مع أهداف الاستدامة»، أن تحقيق مستقبل أكثر استدامة يتطلب تحقيق أهداف «صافي صفر» على مستوى العالم بحلول عام 2050، ويستلزم هذا التحدي ابتكار مجموعة من سياسات الطاقة النظيفة وتكثيف الاستثمارات الموجهة، وعلى الرغم من التقدم الذي تم إحرازه مؤخراً، فلا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الجهود في قطاعات انتقال الطاقة النظيفة لتتماشى مع مسارات «صافي صفر»، مبيناً أن الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة تظل جزءاً رئيسياً من الهياكل الصناعية، ومن المتوقع أن تلعب حلول مثل الهيدروجين وتقنيات احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه دوراً رئيسياً لمواءمة الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مع «صافي صفر»، وأهداف الاستدامة الأوسع.
استدامة حقيقية
قدمت أولغا خاكوفا، نائبة مدير أمن الطاقة الأوروبي في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، مداخلة بعنوان: «تأثير زيادة إمدادات الغاز الإقليمية إلى أوروبا (في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا) في الانتقال السريع إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجينية»، مؤكدة أهمية التعاون لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وأهدافها بشكل واقعي، مشيرة إلى أنه آن الأوان للتعاون بين دول منطقة الشرق الأوسط والعالم في برامج الأغذية والأسمدة والزراعة للحد من آثار التغير المناخي وتحقيق تنمية مستدامة حقيقية.
الحد من الكربون
تحدث سيد عديل عباس، المنسق الإقليمي الخاص بالتغير المناخي في البنك الدولي، عن «تحديات التحول في مجال الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، حيث استعرض مجموعة من السبل للتغلب على تحديات التغير المناخي، مبيناً أن هناك أربعة قطاعات مرتبطة بإنتاج الطاقة، وأهمها قطاع المواصلات الذي سيكون التحول فيه إلى الطاقة النظيفة مفيداً جداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسيسهم في الحد من الانبعاثات الكربونية.
وذكر سيد عباس أن البنك الدولي رصد 10 مليارات دولار كاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط، وهي مخصصة لدعم المشاريع والقطاعات منخفضة الانبعاثات الكربونية، مشدداً على ضرورة تحقيق التعاون الإقليمي والشراكات الدولية لتحقيق تقدم ملحوظ في ملف المناخ، مبيناً أن التحولات في استخدام الطاقة النظيفة والآمنة لن تحدث بين عشية وضحاها، بل تحتاج إلى تكاتف الجهود وإطلاق الطاقات الكامنة للقيام بإصلاحات نافعة ومفيدة لجميع الأطراف، مع ضرورة تطبيق سياسات فعالة وتعاون إقليمي وعالمي بنّاء وهادف.
تحديات التحول
أما طارق امطيرة، مدير إدارة الطاقة في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، فتطرق في حديثه إلى «تأثير توليد الطاقة المتجددة في البنية التحتية الحضرية وأنظمة النقل وشبكات الكهرباء»، مسلطاً الضوء على التحديات التي تواجه بعض الدول في التحول إلى الطاقة النظيفة، مشيراً إلى أن أبرز هذه التحديات هي الأوضاع الاقتصادية، والبنية التحتية، وشبكة المواصلات العامة، مضيفاً أن عدة دول في المنطقة لديها رغبة في التحول لكنها تتعثر بسبب هذه التحديات، ما يتطلب تعزيز التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص للاستثمار الجيد في مجال الطاقة النظيفة، خاصة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منطقة مهمة وتمتلك فرصاً واعدة.