الثلاثاء 3 أكتوبر 2023 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

مدير عام صندوق النقد الدولي خلال «منتدى المالية»: 2023 لحظة فارقة ومكافحة التضخم العالمي أولوية

في منتدى المالية للدول العربية (تصوير: أشرف العمرة)
13 فبراير 2023 03:07

سامي عبد الرؤوف (دبي)

أعربت معالي كريستالينا غورغييفا، مدير عام صندوق النقد الدولي، عن تقديرها للتعاون الممتاز على مر السنوات مع العالم العربي، حيث استطاع الجانبان سوياً قطع شوط طويل، وأصبحت الشراكة مع المنطقة أكثر قوة. 
وقالت، خلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى المالية العامة للدول العربية باليوم التمهيدي للقمة العالمية للحكومات بدبي أمس: «يمثل عام 2023 لحظة فارقة: فبعد مرور عشرين عاماً على استضافة دبي لاجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي السنوية، سنشهد انعقاد الاجتماعات السنوية في مراكش خلال شهر أكتوبر». 
وأشارت إلى أنه خلال هذه السنوات، حقق العالم العربي تقدماً هائلاً، ولعب دوراً قيادياً حقيقياً على مستوى العالم، مدللة على ذلك بالقمة العالمية للحكومات التي تبدأ فعالياتها الرسمية اليوم (الاثنين)، واستضافة المنطقة لمؤتمر الدول الأطراف للعام الثاني على التوالي.
وقالت: «ورغم النجاحات، تشهد المنطقة - على غرار مناطق كثيرة حول العالم - تحديات هائلة في الوقت الذي نواجه فيه أزمات عديدة، واليوم، أود التركيز على إحدى القضايا الإقليمية الأكثر إلحاحاً، وهي كيفية تعزيز صلابة الموارد العامة لحماية شعوبنا واقتصاداتنا ومناخنا».

الآفاق الاقتصادية
ثم تحدثت عن الآفاق الاقتصادية العالمية والإقليمية، لافتة إلى أنه لا يزال النمو العالمي ضعيفاً، لكنه ربما يشهد نقطة تحول في الوقت الحالي، فبعدما ارتفع النمو بنسبة 3.4% في العام الماضي، نراه يتراجع حالياً إلى 2.9% خلال عام 2023، ليسجل تحسناً طفيفاً في عام 2024 حيث يصل إلى 3.1%. 

وقالت: «لقد أعلنا أحدث تنبؤاتنا منذ أسبوعين، وهي وإن كانت أقل قتامة مقارنة بأكتوبر، فإنها لا تزال تشير إلى تراجع النمو، كما تظل مكافحة التضخم من الأولويات في عام 2023». وبينت غورغييفا، أنه على الجانب الإيجابي، نشهد حالياً تراجع التضخم من 8.8% في عام 2022 إلى 6.6% هذا العام و4.3% في عام 2024، وإن كان سيظل متجاوزاً مستويات ما قبل «الجائحة» في معظم البلدان، ومن العوامل المساعدة إعادة فتح الصين، وصلابة أسواق العمل والإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقالت: «بينما تبدو الصورة واعدة، لا تزال التطورات السلبية هي الكفة الراجحة في ميزان المخاطر، فمن الممكن تعطل مسيرة التعافي في الصين، وقد يظل التضخم متجاوزاً للتوقعات، مما سيقتضي المزيد من التشديد النقدي، الذي قد يؤدي إلى عمليات إعادة تسعير مفاجئة في الأسواق المالية، وربما تتصاعد الحرب الروسية في أوكرانيا مخلفة اقتصاداً عالمياً أكثر تفككاً.
وتوقعت مدير عام صندوق النقد الدولي، أنه مع تباطؤ الاقتصاد العالمي، قد يحدث تراجع للنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضاً - من 5.4% في عام 2022 إلى 3.2% هذا العام، قبل أن يرتفع إلى 3.5% في عام 2024.  وبالنسبة للبلدان المصدرة للنفط، قد يؤدي تخفيض الإنتاج وفق اتفاقية «أوبك+» إلى تراجع إيرادات النفط الكلية، وستتواصل التحديات في البلدان المستوردة للنفط. 
وشددت مدير عام صندوق النقد الدولي، على أن الدين العام مصدر قلق كبير، حيث تواجه اقتصادات عدة في المنطقة ارتفاعاً في نسب الدين إلى إجمالي الناتج المحلي، التي تقارب 90% في بعض الاقتصادات.
 وبينت أنه للعام الرابع على التوالي، نتوقع أن يتجاوز التضخم في المنطقة 10%، وهو ما يزيد على المتوسط العالمي، وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات منخفضة الدخل في المنطقة، يعكس ذلك التداعيات الممتدة لارتفاع أسعار الغذاء، وانخفاض أسعار الصرف في بعض الحالات. 
وقالت: «حسب توقعاتنا، يتراجع التضخم تدريجياً مع استقرار أسعار السلع الأولية، وتحقق الأثر المرجو من تشديد السياسة النقدية وسياسة المالية العامة، ونتوقع استمرار بلدان مجلس التعاون الخليجي في احتواء التضخم».

الصلابة المالية 
وسلطت مديرة صندوق النقد الدولي، الضوء على ثلاثة مبادئ يمكن للبلدان الاسترشاد بها في توظيف سياسات المالية العامة في بناء الصلابة، مع التركيز لاحقاً على سبل التعاون من أجل تحقيق تقدم في القضايا التي لن يتسنى لنا مواجهتها إلا سوياً. ويتمثل المبدأ الأول في وضع إطار قوي لإدارة سياسة المالية العامة والتعامل مع المخاطر المحيطة بها، ففي عالم اليوم المعرض للصدمات الذي يكتنفه عدم اليقين، أصبحت إدارة سياسة المالية العامة أكثر أهمية، ولكن أكثر تعقيداً أيضاً. ولفتت إلى تقلبات أسعار الطاقة والغذاء في المنطقة، والتي تتطلب من الحكومات التدخل لحماية الفئات الضعيفة مع مواصلة خطط التنمية والاستثمارات، ويقتضي ذلك التخطيط الدقيق وتوافر الموارد اللازمة.  ودعت الحكومات إلى إدارة العديد من المخاطر التي تهدد مالياتها العامة، بما في ذلك الناجمة عن الضمانات العامة وخسائر الشركات المملوكة للدولة، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الدين وتخفيضات حادة في النفقات الضرورية.  وذكرت أنه علاوة على ذلك، تشهد بلدان عربية عدة  تنفيذ أطر مالية عامة متوسطة الأجل تتسم بالمصداقية، وهي عامل أساسي في التخفيف من حدة المخاطر حال تحققها، كما تمكن الحكومات في الوقت نفسه من مواصلة أوجه الإنفاق الضرورية، والحفاظ على استقرار الدين، وبناء ثقة المستثمرين. 

التغير المناخي
وتناولت غورغييفا، المبدأ الثاني، ويتمثل في التخطيط والاستثمار على المدى الطويل لمواجهة تحديات المناخ، مشيرة إلى أنه من شمال أفريقيا إلى آسيا الوسطى، تبلغ مستويات الاحترار في المنطقة ضعف معدلها في بقية أنحاء العالم. 
وشددت على أنه بخلاف ضرورة الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في كل مكان، نحتاج إلى العمل عبر جبهات عديدة، فعلى سبيل المثال، يمثل الاستثمار في البنية التحتية المقاومة لتغير المناخ ونظم الإنذار المبكر عاملاً أساسياً لتعزيز صلابة المنطقة. 
وبينت أن ذلك ينطبق أيضاً على استثمارات الطاقة المتجددة، وجهود الحد من كثافة الكربون في مختلف اقتصادات المنطقة.  وقالت: «قد أعلنت حكومات المنطقة عن احتياجات تمويلية متعددة السنوات بقيمة تتجاوز 750 مليار دولار لاتخاذ هذه التدابير، وتعتمد تلبية هذه الاحتياجات على توفير بيئة مواتية للتمويل المناخي الخاص من خلال السياسات والحلول المالية السليمة».
وأضافت: «هنا أيضاً يضطلع الصندوق بالدور المنوط به، فقد أصبح المناخ في صلب عملنا، ونتعاون حالياً مع شركائنا على إحراز التقدم المرجو في تنفيذ خطة تمويل العمل المناخي». 
وأفادت أن ذلك يتضمن الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة الجديد الذي يهدف إلى تحسين السياسات، وتوفير تمويل طويل الأجل بتكلفة معقولة لمواجهة التحديات المناخية، وهناك مناقشات جارية بالفعل مع مصر وبلدان أخرى للاستفادة من تمويل الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة.

الإيرادات الضريبية 
ثم تناولت المبدأ الثالث، وهو تعزيز الإيرادات الضريبية، مؤكدة أن الاستثمار في مستقبل أكثر صلابة مرهون بمواصلة تعزيز سياسات الضرائب والإدارة الضريبية.
وأفادت أنه مع ذلك، فإن متوسط نسبة الضرائب إلى إجمالي الناتج المحلي، ما عدا الإيرادات المرتبطة بالهيدروكربونات، لا يزال 11% تقريباً، أي أقل من نصف الحصيلة الممكنة. 
وأكدت أنه يمكن زيادة هذه النسبة من خلال تحسين تصميم السياسات الضريبية والإلغاء التدريجي للإعفاءات الضريبية المفتقرة للكفاءة، مشيرة إلى عامل أساسي آخر لزيادة الإيرادات، هو تحديث الإدارة الضريبية، كما يمكن أن يساعد استخدام الأدوات الرقمية في هذا الصدد.

أسباب المخاطر
قالت كريستالينا غورغييفا، إن هناك مخاطر عدة تستدعي القلق في المنطقة أيضاً، فالحرب الروسية في أوكرانيا والكوارث المناخية قد تؤدي إلى تفاقم عجز الغذاء في البلدان الأكثر عرضة للمخاطر، بالإضافة إلى الارتفاع المزمن في معدلات البطالة، لا سيما بين الشباب، مما يضعنا أمام خطر هائل يهدد الاستقرار الاجتماعي. 
ونبهت إلى أنه يمكن أن تؤدي زيادة تشديد الأوضاع المالية العالمية أو المحلية إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض، بل ونقص التمويل في بعض الحالات، ومن شأن تأخر الإصلاحات المحلية الملحة أن يفرض عبئاً على الآفاق الإقليمية والموارد الحكومية.
وقالت: «كما ترون، فنحن نشهد عاماً صعباً آخر، ولكنّ هناك أسباباً للتفاؤل، ولا تخلو جعبتنا من الحلول لجعله عاماً أفضل، وهنا، في المنطقة، بإمكاننا جميعاً أن نستلهم الكثير من الروح الجماعية لأسود الأطلس المغاربة وإصرارهم في بطولة كأس العالم في قطر».

التعاون الدولي
ولفتت إلى أن بعض البلدان في الوقت الحالي لا تتيح سياساتها المحلية ببساطة حلاً كافياً لمواجهة تحدٍّ عاجل آخر، ألا وهو عدم استمرارية القدرة على تحمل الدين، فأعباء الدين الساحقة يصعب معها الإنفاق على الصحة والتعليم والبنية التحتية، ويقع ضررها الأكبر على الفئات الأكثر عرضة للمخاطر، ولكنها تمثل أيضاً مشكلة مشتركة تواجه المنطقة والعالم أجمع.
وقالت: «هنا تتجلى أهمية العمل الجماعي، فوجود العديد من دائني القطاعين العام والخاص يعني أن مشكلة عدم استمرارية القدرة على تحمل الدين يكمن حلها الأوحد في التعاون متعدد الأطراف».  وذكرت مدير عام صندوق النقد الدولي، أنه على مدار السنوات الخمس الماضية، على سبيل المثال، أتاحت بلدان مجلس التعاون الخليجي 54 مليار دولار لتمويل احتياجات الميزانية وميزان المدفوعات، وقدمت الدعم إلى البلدان منخفضة الدخل، والدول الهشة والمتأثرة بالصراعات في المنطقة، من خلال تخفيض الديون ودعم أمن الغذاء.  وبينت أنه يتضمن ذلك الدعم الذي أعلنته مجموعة التنسيق العربية في العام الماضي بقيمة 10 مليارات دولار، ويمكن للبلدان المانحة مواصلة دعم الاستقرار الاقتصادي والنمو على مستوى المنطقة من خلال المبادرات متعددة الأطراف.
وأوضحت أن صندوق النقد الدولي قدم ما يقرب من 20 مليار دولار في صورة دعم مالي لبلدانه الأعضاء في المنطقة منذ بداية جائحة «كوفيد 19»، وتلقى العالم العربي أكثر من 37 مليار دولار كجزء من عملية تخصيص حقوق السحب الخاصة الأكبر في تاريخ الصندوق عام 2021، والتي بلغت قيمتها 650 مليار دولار. 
وقالت: «نعمل حالياً مع البلدان ذات الاحتياطيات الأكبر لتحويل هذه الأصول إلى البلدان الأكثر احتياجاً، ويعني ذلك أيضاً تحويل حقوق سحب خاصة إلى الصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر لضمان استمراره في توفير قروض بسعر فائدة صفري للبلدان منخفضة الدخل.

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاتحاد 2023©