من الواضح أن مستويات التضخم في الاقتصادات الغربية عموماً، تتراجع بصورة بطيئة ولكنها محورية بالنسبة للمشرعين الاقتصاديين. باستثناء وضعية مؤشر أسعار المستهلك في المملكة المتحدة التي تشهد ارتفاعاً تلو الآخر. هناك تراجع بات يأخذ منحى شهرياً للتضخم في منطقة اليورو والولايات المتحدة. وهذا يعد خطوة إيجابية إلى الأمام، للسيطرة على ارتفاع الأسعار، مع الاعتراف بأن أياً من الجهات التشريعية هنا وهناك، ليست قادرة بالطبع على جلب مستوى التضخم إلى الحد الرسمي المعلن من قبلها عند 2%. من المستحيل أن يتحقق ذلك في الفترة الراهنة على الأقل، وربما استمر التضخم بمستويات مرتفعة عن الحد المشار إليها حتى نهاية العقد الحالي، خصوصاً في ظل اتساع رقعة عدم اليقين على الساحة الاقتصادية الدولية بشكل عام.
بالطبع يبقى سلاح الفائدة الأكثر «وفرة» في أيدي المشرعين، الذين قاموا مؤخراً برفعها في الولايات المتحدة، بواقع 25 نقطة أساس، لتصل إلى نطاق بين 4.50 و4.75 بالمئة، الأعلى منذ أكثر من 15 عاماً. وكذلك فعل البنك المركزي الأوروبي الذي زاد تكاليف الاقتراض نصف في المائة ليتوقف مستوى الفائدة عن 2.5%، وهذا أعلى مستوى له منذ العام 2008 عندما انفجرت الأزمة الاقتصادية العالمية. أما على الساحة البريطانية، فالوضع أكثر تعقيداً، نتيجة فوضى اقتصادية أسهم فيها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريسكت» بحسب حاكم بنك إنجلترا المركزي السابق مارك كارني، فضلاً عن المشاكل التي خلفتها الميزانية التي أعلنتها حكومة ليز تراس، والتي اضطرتها للاستقالة تحت ضغط حزبها والأسواق في آن معاً.
في ظل هذا المشهد العام، يبدو واضحاً، أن التراجع الملحوظ لمستويات التضخم في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو (باستثناء بريطانيا مرة أخرى)، سيخفف الضغوط في المستقبل على المشرعين الماليين في مراجعتهم لمستويات الفائدة. لن يتوقف الرفع بالطبع، لكن ربما كانت هناك زيادات متواضعة لتحقيق جزءاً من التوازن في المسار. فقد تراجع التضخم في منطقة اليورو إلى 9.2% للشهر الثاني على التوالي، وانخفض على الساحة الأميركية تباعاً ليصل إلى 6.5%، ما يدعم سياسات الإدارة الأميركية الحالية التي بدأت بالفعل الاستعداد للتحضير لموسم الانتخابات الرئاسية المقبلة، مع تحسن مؤشر التوظيف. من دون أن ننسى، أن العامل الأهم الذي يسهم حالياً بتراجع معدلات التضخم على الساحة الغربية، هو الانخفاض الملحوظ في أسعار الطاقة، فضلاً عن اقتراب المواسم الدافئة التي يقل فيها الاستهلاك.
النمو سيتحقق بدرجات متفاوتة في الاقتصادات الغربية الرئيسة هذا العام، بينما ستواجه بريطانيا انكماشاً بنسبة 0.8%، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، في حين سيكون النمو الأقل في ألمانيا عند0.3% فقط. لكن في المحصلة، هناك انفراجاً (وإن كان متواضعاً) على صعيد التضخم، يأمل المسؤولون في الاقتصادات المتقدمة أن يكون أساساً للبناء عليه، طوال سنوات العقد الحالي، بينما ستبقى بريطانيا أسيرة ضغوطات الموجة التضخمية العاتية، بينما ستشهد في غضون أقل من سنتين انتخابات عامة، ستساهم حتماً في تغير المشهد الاقتصادي العام في البلاد.