الثلاثاء 3 أكتوبر 2023 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: أقسم جسمي في جسومٍ كثيرة

د. عبدالله الغذامي
15 يوليو 2023 00:57

هو شطر بيت لعروة بن الورد، وهذا وصف ينطبق أسلوبياً على الرواية، فنجيب محفوظ مثلاً نجح عبر بساطته المتناهية في أن يقسم جسمه في جسوم كثيرة، فيتشكل مع حالات شخوص رواياته، ويفكر كما تفكر الشخصية، وحين تدخل غيرها يتحول مع الأخرى تفكيراً ولغةً وعقلية، فعقلية الطفل غير عقلية الطبيب، ونيات اللص ليست كنية الصوفي، ومن ثم ينجح أو يخفق الكاتب حسب قدرته أو عجزه في صناعة الشخصية وفق صفاتها المتوخاة لبناء الحبكة، وهذا لم يتحقق مثلاً في مسرحيات أحمد شوقي التي ظلت اللغة ومستوى التعبير والتفكير فيها متسقةً مع مستويات شوقي نفسه، وظلت اللغة ونظام التفكير على نسق واحد مما جعل شوقي يتلاشى من ذاكرة الثقافة كمسرحي وظلت شعريته هي صيغته الوحيدة في نثره وفي مسرحياته، ومن هنا فهو يحتفظ بجسمه ولن يقسمه في نفوس (جسوم) متعددة حسب تعبير عروة بن الورد، على أن أسلوب الجسوم الكثيرة كما تمثل بمهارة لدى نجيب محفوظ هو ما يصح وصفه بجملة السهل الممتنع بمعنى أنك إذا رأيته لمست فيه البساطة والتلقائية لدرجة تظن معها أنك لن تجد مشكلةً في أن تكتب مثله، فإذا حاولت ذلك تمنع عليك أي أنه سهل في ظاهره وفي تلقيه ولكنه متمنع عند محاولة محاكاته، ومن الصور الثقافية لهذه النماذج السهلة الممتنعة نموذج الطنطاوي في الدعوة والأحاديث الدينية، ونموذج فيروز أو طلال مداح في الغناء وكأنه يحكي ويجري اللحن عبر حنجرته منساباً وكأنه خارج نظام المقامات، ويجري ذلك في شؤون العلاقات العامة، حيث تتميز هذه العلاقات حين تنجح في تقسيم جسدك في جسوم كثيرة، وتعطي كل واحد منها حقه في التعبير وسلامة القول وتناسب المقال مع المقام، وفي الدبلوماسية يقوم السلوك في التصرف وفي اللغة على هذا المنوال وكأن الحالات كلها هي حالات سردية تعتمد الحبكة فيها على نظام التعبير ونظام التفكير المتلون حسب لبوس الحالة ومقتضاها. وكما أشرت لنجيب محفوظ، فأشير لغازي القصيبي، خاصةً في رواية العصفورية، حيث عصَر الشخوص وذوبها في جريانٍ أسلوبي يجعل المعلومة هي البطل السردي في تقسيمٍ للجسم على جسوم كثيرة، وفي هذه الأمثلة تجري لعبة تحويل الجسم إلى جسوم نصوصية تعبر الأجناس وتهشم الحدود القسرية داخل النص الإبداعي.

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاتحاد 2023©