دينا محمود (لندن)
بعد مضي عام كامل لم يخفت فيه دوي المدافع في أوكرانيا، إلا لأيام قلائل خلال هدنة أُحادية أُعْلِنَت خلال عيد الميلاد بالتقويم الأرثوذكسي مطلع يناير الماضي، تبدو الأزمة المستعرة في هذا البلد، مفتوحة على مختلف الاحتمالات، لا سيما مع تعثر الجهود الدبلوماسية الرامية، لإيجاد تسوية سياسية لها.
ووفقاً للخبراء والمحللين المتابعين لمسار الأحداث على الساحة الأوكرانية منذ وصولها إلى لحظة الصدام المسلح في الـ24 من فبراير الماضي، لا يمكن استبعاد أي سيناريو مستقبلي، سواء إحراز موسكو نجاحاً كبيراً على الأرض، أو أن يتحقق ذلك مع كييف، أو حتى وصول الصراع في نهاية المطاف إلى مرحلة جمود، بما يفتح الباب أمام استمرار القتال لأمد غير منظور.
ويعتمد تحقق الاحتمال الأول، المتعلق بإمكانية أن تستطيع روسيا حسم المواجهات عسكرياً، على أن تحرز قواتها سلسلة انتصارات ميدانية مع نهاية فصل الشتاء الحالي، وتستعيد غالبية أنحاء مدينة خيرسون، وتتقدم صوب مدينة أوديسا الساحلية، وذلك استغلالاً لحالة الاستنزاف البشري والمادي، التي تعاني منها حكومة كييف حالياً.
وقد تستفيد موسكو على هذا الصعيد، من جاهزية القوات التي حشدتها بكثافة خلال الخريف الماضي، وعمليات إعادة الانتشار التي نفذتها بنجاح على مدار الشهور الأخيرة، وإبعاد مواقعها الحيوية عن متناول الصواريخ الأوكرانية، الى جانب تماسك سلاسل الإمداد اللوجيستي الروسية، على جبهات المواجهة. كما أن بوسع الروس الاستفادة في الوقت نفسه، من المشكلات التي قد تواجه كييف خلال الفترة المقبلة، على صعيد تلقي مزيد من إمدادات الأسلحة والذخيرة الغربية، في ظل بيانات تشير إلى تصاعد معدلات استهلاك القوات الأوكرانية من الذخائر، وهو ما تحدث عنه كبار المسؤولين الغربيين بشكل علني مؤخراً.
وبحسب هذا السيناريو، ربما تعاني السلطات الأوكرانية أيضاً، من تبعات فضائح الفساد التي تعصف ببعض الشخصيات الرسمية في الفترة الحالية، وقد تواجه كذلك انقسامات داخلية، بفعل الضغوط التي تمارسها، تيارات قومية متشددة.
في المقابل، يعتمد السيناريو الثاني على إمكانية دحر كييف للهجوم الروسي المرتقب في مطلع الربيع المقبل، وتلقيها كميات أكبر من السلاح والعتاد من حلفائها في الغرب، بما يجعل بمقدورها السيطرة على مزيد من المناطق، والتحرك باتجاه شبه جزيرة القرم، وربما بسط سيطرتها على أجزاء منها كذلك.
ولكن الاحتمال الأكثر ترجيحاً، يتمثل على الأغلب، في استمرار المواجهات العسكرية لعدة سنوات، مع عجز طرفيْ الصراع، عن أن يكون لأيٍ منهما اليد العليا في ساحة المعارك، ووصول القتال إلى طريق مسدود، من دون أن يمنع ذلك من استمرار المناوشات والاشتباكات على نطاق محدود، في مواقع ثانوية من حيث أهميتها.
فعلى الصعيد الميداني، قد تبلغ المساعدات الخارجية من السلاح والعتاد لكييف المستوى الأقصى، الذي لا يمكن لها أن تتخطاه، إما بسبب الطاقة الإنتاجية الآخذة في التراجع لقطاع الصناعات الدفاعية في الغرب، أو لطبيعة الأسلحة التي يتم توريدها، وذلك بالتوازي مع إمكانية استنفاد موسكو، لقدر كبير من مواردها البشرية والمادية، التي تكرسها للتعامل مع الأزمة الحالية. وسيترافق ذلك، كما قال الخبراء لموقع «ذا كونفرزايشن» الإلكتروني، مع استمرار فشل جهود الوسطاء الإقليميين والدوليين للجمع بين طرفيْ القتال على طاولة التفاوض، لا سيما مع إحجام كل منهما عن التحرك بجدية على هذا الطريق، أو إقناع الرأي العام لديه، بجدوى ذلك، خاصة وأن حكومة زيلينسكي، تخشى من أن يؤدي قبولها الانخراط في أي محادثات سلام، إلى فقدانها دعم التيارات القومية في الداخل، وبعض القوى الغربية الكبرى خارجياً.