هل يمكن للعالم اليوم أن يتورط في حروب جديدة حتى وإن كانت بالوكالة؟ ما يحدث حالياً إثر محاولة روسيا السيطرة على أوكرانيا يؤكد أن الدول الكبرى لا تريد إقحام قواتها في حرب لا أحد يتنبأ بنتائجها، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت وبشكل واضح ولا لبس فيه بأنها لن ترسل أي عسكري للقتال في أوكرانيا، وذلك على الرغم من تحالفها معها.
توقيت بالغ الدقة اختاره بوتين للهجوم على أوكرانيا، فدول أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من الدول تعاني نقصاً في الغاز والبترول وفي ارتفاع ملحوظ في أسعارهما، إلى جانب التضخم الكبير في الأسعار، وهو الأمر الذي لم تشهده تلك الدول منذ 40 عاماً، مع ارتفاع أسعار السلع على المستهلك نتيجة ارتفاع كلفة الإنتاج والاستيراد والتصدير، وقد سبق ذلك الجمود الذي رافق كورونا على مدار عامين والكلفة العالية التي احتاجها القطاع الصحي، وما تلا ذلك من تراجع في معدل النمو الاقتصادي، وركود في قطاعات حيوية كالسياحة على سبيل المثال لا الحصر، كما أن معظم الدول تعاني من ارتفاع لسقف الدين العام.
بوجود كل تلك الأزمات يعتقد بوتين أن الغرب لن يردعه عن مهاجمة أوكرانيا، ولن يعوق ما خطط له، وأن كل ما سيفعله الغرب فرض عقوبات لا شك أنه متحسب لها.
ويبدو أن روسيا لا تتوقع أن يطول زمن تلك الحرب، وهو بعكس ما يظنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبصرف النظر عن ظن هذين الزعيمين، فإن تداعيات الحرب تصيب العالم بأسره، ليس اقتصادياً فقط، بل سيكون تأثيرها جيو-سياسياً كذلك، ذلك أن خريطة التوازنات الكبرى ستتغير، كما ستتغير قائمة الحلفاء، وكانت الآمال معلقة على الدبلوماسية بألا تُقدم روسيا على غزو أوكرانيا، لكن يبدو أن بوتين وجدت ضالته في تلك الحرب لإيقاف الجهود الأوكرانية الساعية إلى الانضمام لحلف الناتو التي بدأت في العقد الماضي.
قبل الحرب مباشرة أعلن الرئيس الأميركي أن كل المؤشرات توكد أن بوتين سيهاجم أوكرانيا، وقتها عاش عدد من المحللين السياسيين والإستراتيجيين على أمل نجاح الدبلوماسيين بالحصول على تعهدات من الرئيس بوتين يؤكد فيها أنه لن يشن هجوماً على البلد الجار، لكن ذلك لم يحدث، وذهبنا كلنا في العالم إلى حرب مفتوحة. وكلنا يعلم أن حروب اليوم لا تشبه حروب الأمس من جهة التكتيك والتنفيذ، أما موضوع الخسائر فهو واحد، كانت بشرية ومادية واقتصادية.
كل الدول- القريبة منها والبعيدة عن قلب الحدث- تتأثر بالحرب، ولعل أولى التداعيات التي نعيشها هو الارتفاع الكبير في أسعار النفط الخام والغاز، ومرة أخرى تتأثر سلباً البورصة العالمية لقطاع السياحة، مع ارتفاع مشهود لقيمة العملات الرقمية، وزيادة غير متوقعة في عمليات الاستيراد والتصدير، وما يتبع ذلك من ارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات.
وبعيداً عن الكوارث الاقتصادية، ثمة كارثة بشرية. فملايين الأوكرانيين سينزحون إلى دول أوروبية فتحت أبوابها لهم، وهي حسب التقديرات أكبر عملية نزوح جماعي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. الأوكرانيون يعبرون الحدود نحو بولندا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا. فيما دعت مفوضية اللاجئين الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها للاستعداد الآن لكل السيناريوهات قبل أن تصبح الأزمة الأوكرانية مأساة إنسانية تُضاف إلى المآسي التي تعرضت لها الشعوب في كل الدول التي تنازعتها الحروب. وصدق زهير بن أبي سلمي حين قال:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ/ وما هو عنها بالحديث المُرَجَّمِ
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ً/ وتَضرَ إذا ضَرَّيتموها فتضرَمِ