حرب أوكرانيا.. و«أزمة» الاستثمار الآمن
مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، في ظل حالة عدم اليقين «الجيوسياسي»، تزداد عمليات هروب المستثمرين من الأسهم والأصول الخطرة، واندفاعها نحو الاستثمار في الديون السيادية، لاسيما سندات الخزانة الأميركية التي يرون بأنها «رهان آمن»، مع الأخذ بالاعتبار وجود مخاطر قليلة في عدم سداد القرض.
وعلى الرغم من توقع مجلس الاحتياطي الفيدرالي زيادات متتالية في أسعار الفائدة بشكل تدريجي، لتشجيع المستثمرين على شراء السندات، فإن بعض المراقبين يرى أن هذا التطور قد يتسبب في انخفاض العائد، ما يجعل هذا الاستثمار أقل جاذبيةً، حتى أن بعض المستثمرين بدأ البحث عن أصول ربما تكون أكثر أماناً مثل «بيتكوين»، مع أنها توفر «تقليدياً» استقراراً أقل من السندات. لكن يبقى الخوف من «الركود التضخمي» القادم، والذي يتوقع أن يستمر لعدة سنوات.
وفي استطلاعها للمستهلكين، ذكرت جامعة ميشيغان أن مؤشر ثقة المستهلك الأميركي بالاقتصاد، تراجع من 84.9% في مارس 2021 إلى 59.4% في مارس 2022، مسجلا أدنى مستوى له منذ أغسطس 2011، وهو يضاف إلى المؤشرات السلبية التي تتزامن مع التضخم المرتفع الذي سجَّل بدوره أعلى مستوى خلال 40 عاماً، وكذلك أسعار النفط المتقلبة، مسجلةً زياداتٍ قياسيةً. في الواقع، وقبل كورونا وأوكرانيا، كان الأميركيون يتحدثون عن انهيار محتمل في اقتصاد بلادهم، يجر معه اقتصادات كبرى، إنما جاءت كورونا لتؤجل هذا النقاش حتى نهايتها المفترضة، لكن الحرب الروسية الأوكرانية انفجرت وشملت معها العالم الغربي بأكمله. وتشير الإحصاءات إلى أن الكتلة النقدية المتداولة في الولايات المتحدة ازدادت خلال فترة 14 عاماً، من 809 مليارات دولار في يناير2007 إلى 2232 مليار دولار في فبراير 2022. كذلك زادت في بريطانيا من 64.6 مليار جنيه إسترليني إلى 95.5 مليار جنيه، وفي منطقة اليورو الأوروبية من 584 مليار يورو إلى 1500 مليار يورو. مع العلم أن حصة القوى الثلاث من الناتج العالمي تبلغ الثلث.
وبينما تضاعفت الكتلة في أميركا 2.7 مرة، وفي أوروبا 2.5 مرة، فإن الناتج العالمي تضاعف 1.5 مرة فقط، وذلك من 58 تريليون دولار إلى 89 تريليوناً. لكن بعد مرور أقل من 10 أيام على الحرب، وبالتحديد في 4 مارس، اجتمع المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي واطلع على تداعياتها، وأكد في بيان رسمي «أن الاقتصاد العالمي على مشارف ركود تضخمي هائل ستكون نتائجه قاسية جداً»، موضحاً «أن العواقب الاقتصادية خطيرة للغاية»، وتوقع أن يتحول الركود التضخمي إلى «جائحة» تجتاح العالم، وأن تصيب بشكل خاص «الأسر الفقيرة التي يشكل الغذاء والوقود نسبةً أعلى من نفقاتها».
وحذَّر الصندوق من تصاعد الصراع حيث «سيكون الضرر الاقتصادي أكثر تدميراً». وبالعودة إلى أزمة الديون العالمية، فقد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وتجاوز حجمها 300 تريليون دولار، وبما يعادل 353% من الناتج المحلي. ويواجه الاقتصاد العالمي هوةً خطيرةً بين الناتج والدَّين، حيث يوازي الدين 3.5 ضعف الناتج المحلي. وترتبط المخاطر في التفاوت الواسع بين الدائن والمدين.
فالدول الفقيرة تغرق في الديون التي قد تصبح مستدامةً، الأمر الذي يجعلها مستباحةً أمام الدول الدائنة التي ستمارس عليها أشكالا من الضغوط والنفوذ، للسيطرة على قرارها السيادي ومواردها. ويلاحظ أن 113 مليار دولار قيمة سندات سيادية، محمولة من أكبر 25 صندوقاً استثمارياً، منها 17 صندوقاً أميركياً تحمل 111 مليار دولار من هذه السندات. وهو ما يؤكد، وفق دراسة أعدتها الشبكة الأوروبية للديون والتنمية، أن الصناديق الأميركية تتحكم بمعظم الدين السيادي حول العالم.
*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية