القضاء وديمقراطية الغرب!
عقوبة الإعدام في القضاء السعودي عقوبة واضحة مستمدة من الشريعة الإسلامية السمحاء، لاسيما أن السعودية تتخذ القرآن الكريم منهجاً ودستوراً وقانوناً، وتنفذ أحكام الإعدام في حالات معينة يحددها القانون، مثل جرائم القتل وباقي الجرائم الكبرى المحرمة والمرفوضة في الشرع والدين، وهذه الأحكام لا يستثنى منها الأجنبي الزائر أو المقيم طالما ثبت بحقه ارتكاب فعل يستوجب العقوبةَ وفقاً للقانون المعمول به في المملكة.
وفي الثاني عشر من شهر مارس المنصرم أُعلن في المملكة العربية السعودية عن تنفيذ حكم الإعدام في واحد وثمانين متهماً أدينوا بجرائم القتل والإرهاب، بعد توجيه التهم إليهم ثم إدانتهم بارتكاب الجرائم المذكورة، موثقةً ومثبتةً، وذلك بعد أن حوكموا من قبل ثلاثة عشر قاضياً، وبعد أن خضعوا للتحقيق من قبل جهات قضائية عبر ثلاث مراحل متتالية.
وأعلنت المملكة عبر وسائل الإعلام المختلفة كيفية وصيغة تنفيذ الحكم وأسبابها وأبعادها. لكن بعد الإعلان هبّت وسائل الإعلام الغربية وعجَّت بالاستنكار والاستغراب، واصفةً الأحكام القضائية بما في جعبتها من غريب الوصف ونشاز القول، رغم أن الأحكام صدرت مع اندلاع الحرب الحالية في أوكرانيا بين الغرب وروسيا عقب قيام الأخيرة بإطلاق عملية عسكرية داخل أوكرانيا، حيث لاحظنا وجود ملايين النازحين واللاجئين هرباً من نيران الحرب، علاوةً على آلاف القتلى من المدنيين والعسكريين في كلا الجانبين.. فتم تطبيق الأحكام العرفية، وكان هناك فرز واضح شاهدَه العالَمُ كلُّه، فرز بين البيض والسود، بين الغربيين والعرب.. وهكذا تم منع غير الغربيين البيض من صعود الطائرات والقطارات وسيارات الإنقاذ، كما مُنعوا من الحصول على معبر آمن أو لجوء إنساني حالهم كحال مَن فروا معهم من الحرب نفسها، فمورست ضدهم أبشع صور التمييز العنصري!
وبالإضافة إلى التباكي على البيض وأصحاب العيون الزرقاء، والذين قال عنهم الإعلام الغربي، بكل صراحة، إنهم ليسوا عرباً أو أفارقة أو مسلمين.. حتى يستحقوا مثل هذه المعاناة ويضطروا للهجرة من بلدهم!
ولا ندري ماذا يريد أصحاب الديمقراطية المزيفة التي كشفتها الأزمة، ولابسو أقنعةَ حقوق الإنسان التي أسقطتها ممارسةُ الكراهية العنصرية.. ماذا يريدون من العرب؟ هل يريدون منا أن نقلدهم أنواط الشجاعة وأوسمة الشرف مثلا؟
لا شك في أن أزمة أوكرانيا، وما يتخللها من مخاطر وتهديدات متبادلة غير مباشرة باستخدام الأسلحة الفتاكة المحرمة دولياً، بدأت تكشف زيف كثير من الشعارات والمفاهيم والطروحات الغربية حيال الذات والآخر، وقد أصبحت مركزية الذات الغربية تأكل بطنها من الداخل، بعد أن خرج لها المارد من وسط جغرافيتها، من كثرة وزيادة حجم سمومها النفاثة، وتفشى آثارها التي بانت وطفح كيلها وانكشف زيفها.. ولعل أكثر شيء انكشف زيفه هو شعارات الإنسانية والديمقراطية والعقلانية.. الشعارات التي طالما كانت موضع متاجرة ومزايدة، والآن كشفتها روح الأنانية وممارسة الكيل بمكيالين وفق معايير السياسة الخداعة، والنظرة الفوقية للآخر.. وعلى نفسها جنت براقش!
كاتب سعودي