قلنا منذ أسبوعين بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الأوفر حظاً للفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة التي لا تفصلنا عنها إلا أيام قليلة. وقبل نحو أسبوع من الدورة الأولى للانتخابات، نظم الرئيس الفرنسي، الساعي لإعطاء زخم لحملته، أكبر مهرجان انتخابي له بحضور عشرات الآلاف من أنصاره وسط استمرار تصدره لنوايا التصويت، لكن مع تقلص الفارق مع زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان. وكان ماكرون قد أرجأ بدءَ حملته الانتخابية بسبب انشغاله بالهجوم الروسي على أوكرانيا.
وتناول الرئيس المنتهية ولايته في مهرجانه بإسهاب عن مسألة القوة الشرائية التي تتصدر هموم الفرنسيين وصارت موضوعاً تركز عليه مارين لوبان، وتعهد بمضاعفة «مكافأة ماكرون» ثلاث مرات «اعتباراً من هذا الصيف».. كما شدد على أن فرنسا لا تتوفر على «المال السحري» من أجل تمويل كل المتطلبات المجتمعية، مكرراً رفضه زيادةَ الضرائب وتعميق الديون. وأضاف ماكرون الذي يريد رفعاً تدريجياً لسنّ التقاعد إلى 65 عاماً بحلول عام 2032، أنه «سيتعين علينا العمل أكثر، وقبل كل شيء لفترة أطول، لأننا أصبحنا نعيش لفترة أطول».
وذلك الكلام هو نوع من الرد على ما تقوم به المرشحة مارين لوبان من حملة ميدانية بعيداً عن المدن الكبرى، كنوع من استثمار من جانبها في مناطق يشعر سكانها أحياناً بالإهمال، كما أنه جواب على التخوف الذي تجلى منذ عامين في ما يسمى «السترات الصفراء»، حيث كان يحتشد آلاف المتظاهرين في العديد من المناطق الفرنسية للاحتجاج على ارتفاع تكاليف الوقود والسياسات الاقتصادية للرئيس ماكرون.
وما وقع ويقع من غلاء معيشي في فرنسا حالياً، وفي العديد من دول العالم الأخرى، بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا، يذكّرني بأحد أبحاث الاقتصادي الكبير جون لويس ريفرز (Jean Louis Reiffers) والذي له برامج تنموية متعددة استعانت بها معظم المؤسسات البنكية العالمية والاتحاد الأوروبي، حيث يقول في إحدى مقالاته الشهيرة إن الحراك الاجتماعي يبلغ أشُدَّه في بلد ما عندما يرتفع ثمن بعض المواد الحيوية للمواطنين في ذلك البلد، ولهذا السبب تجنح العديد من الدول إلى ما يمكن أن يسمى «نظام المقاصة»، لأن السلم الاجتماعي غالباً ما يكون منوطاً بدعم الدولة للمواد الأولية. هذا النظام يهدف إلى تأمين التزود بالسلع وضمان مستوى الأسعار في السوق الداخلية، وذلك بتجنب نقص أو زيادة التموين، ودعم الصناعات الفلاحية.. إلخ. بعبارة أخرى يعني استقرار الأسعار تثبيتَ السلم الاجتماعي، لأنه لا يمكن تصور السلم الاجتماعي دون تدخل الحكومة في توفير وترشيد أسعار المنتوجات المختلفة. ونتذكر ما حدث في الولايات المتحدة الأميركية إبان الأزمة الاقتصادية لعام 2008، حيث اضطرت الحكومة إلى تبني سياسات تدخلية وحمائية خشية تسريح ملايين العمال من الشركات وتفاقم الزيادة في أسعار الأغذية.

أكاديمي مغربي