على الرغم من ارتباط القدسية بذات الإله، التي تتنزه على أن يكون لها شبيه «ولم يكن له كفواً أحد»، وتتجلى على كافة الموجودات وصفاتها، إلا أن للقدسية ارتباطاً بمتعلقات أخرى مثل الحياة.

وللحياة في معانيها المتعددة التي نجدها في خواطر المفكرين والمتفكرين من الفلاسفة في ماهيتها الكثير، فهل الحياة من تعطينا معطياتها، أم نحن الساعون في مضمار صناعة ملامحها، لنُكوّن من جهودنا ورحلة نضالنا الإنساني، حياة بداخل حياة، بداخل حياة، وهكذا، وكما يقول نيلسون مانديلا: «تميلُ النفوس للشخص السَمح، الهيِّن، الليِّن، ذي الروح المنبسطة الطيّبة، الذي يُحوِّل الأمور الصعبة إلى يسيرة، الذي يبتعد عن العُقَد والتعقيد، ويُشعِر من حوله بأن الحياة أكثر رحابةً واتساعاً وسهولة، إذا سألتم يوماً فاسألوا الله أن يضع من أمثاله الكثير في دروبكم»، وهنا إشارة لما للفرد من دور في تشكيل هيئة الحياة، وكأنها حفنة من طين لازب يتولى مهمة صياغتها. 
وفي إدراك الإنسان لما للحياة من قدسية، دلالات تتعدى مبادئه، ومواقفه الأخلاقية تجاه القضايا التي تمس قداسة الحياة، كالإجهاض، وما يسمى بـ«الموت الرحيم»، إذ يعتبر الفهم القداسي الحياتي، أداةً حية لبتر أطراف الشرور، ورفض وجود الظلم والقهر، ونبذ التطرف والعنف، وكافة أشكال «تسميم» قدسية الحياة. وبخاصة أن: «الانتصار الحقيقي لأي إنسان ليس في أن يستثمر مكاسبه وأرباحه، وإنما الانتصار الأهم هو أن يحول هزائمه وعثراته وخسائره الشخصية إلى نجاحات وانتصارات، وهو أن يؤمن دائماً بأن الإرادة والكفاح والصبر على المكاره هي أسلحة الصباح لتحقيق الأماني والأحلام وقهر خفافيش الظلام التي تجمع بين الهاربين من الحياة»، كما يقول الكاتب المصري عبد الوهاب مطاوع. 

وفي نظرة الإسلام للحياة وقدسيتها، فقد جُعِلَ في أجزاء القرآن الكريم، نفحات في ذات السياق، كقوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ»، والذي يبين فيه النص القرآني أحد مواضع الحياة، كما يوجد في التشريع الإلهي الواضح والصريح، والمشروط بالاستجابة لذلك التشريع، يقول تعالى: «اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ». وكيف لا تكون للحياة قدسية، وهي ميدان الفعل الإنساني، وبناء الحضارات، وتعاقب الأزمان، وقالب الثنائيات المتصارعة من خير وشر، ومن ضعف وقوة، وغيرها من الثنائيات المتأرجحة التي يعيش بين دفتيها أنفس البشرية جمعاء. وهي التي قال في حرمتها رب العزة: «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا». 
وفي حين أن قدسية الحياة أمر لا اختلاف فيه في الإسلام، باعتبار أن حفظ الحياة والأرواح هو أول المقاصد والضرورات الشرعية، والتي يتوقف عليها حفظ ما يليها من ضرورات كحفظ الدين وحفظ العرض وحفظ المال وحفظ العقل، إلا أن هناك العديد من الاتجاهات الفكرية المنحرفة والمغايرة التي تحاول إثبات غير ذلك، من خلال الاعتداء على فحوى «روح الشريعة الإسلامية»، بتجرد سلوكياتها من معاني الإنسانية، وانزياحها عن الفطرة القويمة، وصولاً لاقترافات مخالفة لعموم الأديان، ومتصادمة مع كينونة الإنسان. وليس بأدل على ذلك من تشديد وتأكيد الإسلام على عدم التعدي على حرمة النفس الإنسانية حتى في حالة الطوارئ.
وفي نظرة شمولية لوجود التشريع الرباني، نلمس حقيقةً قدسية الحياة التي لم تشأ حكمة الخالق بتركها للعبث، بل هي مؤطرة ومنظمة، فلقدسية الحياة الإنسانية مبادئ ثابتة واتفاق ضمني بشري راسخ تآصرت على ثباته الأديان كافة، وتكاتفت العقول السوية على دعمه وإبرازه، سيما أنه لا يقتصر على كونه أساس عقائدي، بل هو عماد أخلاقي، وسبيل دافع لصون الإمكانيات الأساسية لحياة أفضل، وتقريب واقعي بعلاقة طردية مع «المدينة الفاضلة»، فكلما زاد الوعي بقدسية الحياة، اقتربت الإنسانية من جسر العبور نحو أرض المشترك الآمن، والحياة الحائزة على قدسيتها. 
أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة