ساعدت زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للهند على تعزيز العلاقات الوثيقة أصلا بين البلدين، لاسيما أن بريطانيا ما فتئت تسعى إلى تعميق علاقاتها مع الاقتصادات الآسيوية الصاعدة منذ مغادرتها الاتحادَ الأوروبي. جونسون الذي يواجه مشاكل عميقة داخلياً على خلفية الأسئلة بشأن تنظيمه حفلات خلال فترة الإغلاق، استُقبل في ولاية غوجرات التي ينحدر منها رئيس الوزراء ناريندرا مودي، ليصبح بذلك أول رئيس وزراء محافظ يزور غوجرات. وأتت زيارة رئيس الوزراء البريطاني بعد إرجاء زيارات مقترحة سابقاً بسبب جائحة فيروس كورونا، وكانت المحادثات بين الزعيمين خلال تلك الفترة تجرى افتراضياً فقط. 
محادثات جونسون ومودي تناولت مجموعةً واسعةً من المواضيع. ولئن كان البلدان يريان فائدةً متبادلةً في تعميق العلاقة بينهما، فإن أحد مواضيع الاختلاف بينهما كان أوكرانيا. فالجهود الرامية لتعميق علاقات التعاون بين البلدين في مجال الدفاع تأتي في وقت يسعى فيه الغرب إلى وقف اعتماد الهند على موسكو، التي تُعد أكبر شريك لنيودلهي في مجال الدفاع. ويذكر هنا أن الهند اتخذت موقفاً محايداً بخصوص أوكرانيا وتقاوم الضغط الغربي من أجل التنديد بروسيا. ذلك أن الغرب يضغط عليها من أجل اتخاذ موقف واضح ضد روسيا وسط جهود ترمي إلى عزل الأخيرة ووضع حد للحرب في أوكرانيا. وإذا كانت المملكة المتحدة لم تمارس ضغطاً على الهند في المحادثات، فإن جونسون كان قد بعث بتغريدة على «تويتر» قبل زيارته قال فيها: «من المهم جداً أن تقف الديمقراطيات والأصدقاء معاً» لمواجهة «الدول السلطوية»! والشهر الماضي، كانت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس في زيارة إلى نيودلهي ضمن ما وُصف بأنه جزء من «جهود دبلوماسية أوسع» بخصوص الأزمة الأوكرانية. لكن يبدو واضحاً أن المملكة المتحدة ترغب في الحفاظ على علاقة ود ووئام مع الهند فلم تدفع بهذه النقطة. وبدلا من ذلك، عرضت بريطانيا على الهند تقاسم تكنولوجيا الدفاع والإنتاج المشترك ضمن جهد يهدف إلى تقليص الاعتماد الهندي على المعدات الدفاعية الروسية. 
رئيس الوزراء البريطاني أكد أن البلدين وافقَا على «شراكة جديدة وموسعة في الدفاع والأمن»، وأعلن عن رخصة تصدير عام مفتوحة خاصة بالهند من المتوقع أن تقلص أوقات تسليم مقتنيات الدفاع. كما وافق الجانبان على العمل معاً من أجل مواجهة التهديدات الجديدة في «البر والبحر والجو والفضاء والمجال السيبراني»، إلى جانب الدخول في شراكة بخصوص «تكنولوجيا طائرة قتالية جديدة، وتكنولوجيات بحرية لرصد التهديدات والرد عليها» في المحيطات. ويذكر هنا أن نقل تكنولوجيا الدفاع شيء تسعى وراءه الهند ضمن جهودها الرامية إلى تحديث جيشها وتعزيز الإنتاج في مجال الدفاع. 
تركيز بريطانيا على العلاقات مع الهند ازداد عقب «بريكست»، في وقت تتطلع فيه لندن إلى مرحلة ما بعد الاتحاد الأوروبي لتعميق علاقاتها مع الاقتصادات الصاعدة وسريعة النمو. وفي الوقت نفسه، هناك علاقات قوية بين الشعبين، إذ يعيش في المملكة المتحدة نحو 1,5 مليون مواطن بريطاني من أصل هندي ويشغلون مناصب هامة وحساسة. وكانت المملكة المتحدة ضمن تقريرها للسياسة الخارجية العام الماضي قد أشارت إلى أنها تسعى إلى «انخراط عميق في منطقة المحيطين الهندي الهادئ»، مضيفةً أنها تدرك أهميةَ القوى الرئيسية في المنطقة مثل الهند. كما لفتت إلى أن «العلاقات بين المملكة المتحدة والهند قوية أصلا، لكننا خلال السنوات العشر المقبلة نسعى وراء تحول في تعاوننا عبر كل مجالات المصالح المشتركة. والهند باعتبارها أكبر ديمقراطية في العالم، تُعد لاعباً دولياً ذا أهمية متزايدة». 
وبالمثل، تبدو نيودلهي أيضاً حريصة على تعميق علاقاتها الدفاعية مع لندن وعلى زيادة الاستثمارات البريطانية في الهند. ففي العام الماضي، وافقت قيادتا البلدين على خريطة طريق 2030 للهند والمملكة المتحدة تركز على الصحة، وتغير المناخ، والعلاقات بين الشعبين، والتجارة والاستثمار، والدفاع والأمن. كما يُنظر إلى العلاقات التجارية باعتبارها ذات أهمية كبيرة في وقت يسعى فيه البلدان إلى عقد اتفاقية تجارة حرة بنهاية هذا العام. ويرى البعض أن هناك تلييناً للموقف من جانب المملكة المتحدة إزاء المطلب الهندي بتسهيل الوصول إلى التأشيرات بالنسبة للطلبة والعمال المهرة. وفي هذا الإطار، قال جونسون لوسائل الإعلام قبل أن تحطّ به طائرتُه في الهند إنه كان على الدوام «مؤيداً لقدوم الطلبة الموهوبين إلى بلده». كما ناقش الجانبان مبادرات الطاقة النظيفة بما في ذلك التعاون من أجل تقليص الاعتماد على المحروقات المستوردة، وتبني بدائل محلية أرخصَ وأكثر استدامةً، كما قال جونسون. 
وكانت الهند قد عقدت اتفاقيتي تجارة حرة مع أستراليا ودولة الإمارات والعربية المتحدة، وهي تتطلع الآن إلى الحصول على اتفاقية تجارة حرة أخرى مع المملكة المتحدة.
ومما لا شك فيه أن زيارة رئيس الوزراء البريطاني قد عبّدت الطريق لتعاون مستقبلي، كما أنه من الواضح أن المملكة المتحدة مهتمة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك من خلال «أوكس»، وهو حلف أمني ثلاثي الأطراف يضم أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. ولا شك في أن زيارة جونسون ستعزز العلاقات الهندية البريطانية في مجالي الأمن والدفاع. 

ذكر الرحمن
رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي