شبح أزمة مديونية يخيم مجدداً على العالم
في مطلع ثمانينيات القرن العشرين، ألمت بالعالم أزمة مديونية دولية خانقة. فعندما أعلنت عدة دول لاتينية آنذاك عن عدم قدرتها على خدمة ديونها الخارجية، حدثت هزة عنيفة للنظام المالي الدولي، وبات العديد من المؤسسات المالية والبنوك الدولية على شفا الإفلاس. ومنذ ذلك التاريخ، أخذت المنظمات الاقتصادية الدولية - وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليان - متابعة حالة المديونية الخارجية للدول عن كثب، لتتجنب حدوث مثل هذه الأزمات مرة أخرى.
ورغم مرور عدة عقود على أزمة المديونية العالمية الأولى، فإن الاقتصاد العالمي صار مهدداً هذه الأيام بحدوث أزمة جديدة في سوق الديون الخارجية لتذكره بأزمته الأولى، إذ تذكر تقارير صندوق النقد الدولي أن الدّين العالمي سجل مستوى قياسياً بلغ نحو 226 تريليون دولار أميركي في عام 2020، وبما يشكل نحو 256% من الناتج المحلي العالمي.
لكن زيادة فرص حدوث أزمة مديونية دولية جديدة لا ترجع فقط إلى النمو الضخم في قيمة الديون العالمية ولا لتفاقم نسبتها للناتج العالمي، لكن السبب الجوهري في ذلك يكمن في التوزيع غير المتماثل لهذه الديون على اقتصادات العالم المختلفة، مع تركز هيكل الديون في النوع الخارجي في بعض الاقتصادات. فحتى لو كانت مديونية الدول الأقل تقدماً تقل من حيث القيمة مقارنة بمديونية الدول المتقدمة، فإن ذلك لم يكن كافياً لحمايتها من الوقوع في براثن أزمة التعثر في خدمة هذه الديون.
فكيف حدث ذلك؟إن قدرة الدول النامية المدِينَة على الانتظام في دفع فوائد وأقساط الديون الخارجية محكومة بثلاثة أمور:
-الأمر الأول هو تسارع نمو القدرات التصديرية للاقتصاد النامي. ولن يحدث ذلك بغير تحسن مطّرد بمستوى الإنتاجية الوطنية في الأنشطة التصديرية، مع انفتاح الأسواق الدولية أمام صادرات الدول النامية.
-الأمر الثاني هو مدى قدرة الدول النامية على السيطرة والتحكُّم في تيارات الواردات، فإذا زاد ميل هذه الاقتصادات إلى الاستيراد بدرجة تفوق معدلات نمو صادراتها، فإن ذلك يعني بداهة استهلاك ما تجلبه الصادرات من عملات أجنبية بمعدلات لا تتيح لها القدرة على خدمة الديون الخارجية.
-أما الأمر الثالث فهو قدرة الدول النامية على جذب الاستثمارات الأجنبية كبديل أكثر استدامة مقارنة بالاقتراض من الخارج أو الاعتماد على المساعدات والمنح والهبات الدولية.
ويمكن أن يفسر ذلك حالة التنافس المحموم بين الدول النامية على التدفقات الدولية لهذه الاستثمارات.
ولما كان الاقتصاد العالمي يعاني هذه الأيام من جراء أزمات وحروب اقتصادية متتابعة، مع ارتفاع سريع في معدلات التضخم، فإن ذلك قد أثر تأثيراً سلبياً واضحاً في التوازن التجاري للدول النامية وفي قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية وخدمة ديونها الخارجية، لتكون النتيجة المنطقية لكل ذلك تراجع الجدارة الائتمانية لبعض الدول النامية، ووقوع بعضها الآخر في أزمة ديون خارجية حادة، مع اقترابها من حالة الإفلاس المالي.
*مركز تريندز للبحوث والاستشارات