أزمة الغذاء العالمية.. انتصار روسي
في الوقت الذي أدت فيه الحرب الروسية الأوكرانية إلى تعميق أزمة الغذاء العالمية، فإنها جعلت روسيا من بين أكبر الرابحين جراء الظروف العالمية التي أحدثتها الحرب.
لقد منعت الحربُ صادرات الحبوب الأوكرانية عن طريق البحر، وقطعت الإمدادات الحيوية لدول كثيرة. وأدى الاضطراب، لاسيما في ظل الأحوال الجوية الحارة والجفاف الذي يلحق الضرر بمحاصيل القمح في أجزاء أخرى من العالم، إلى ارتفاع أسعار الحبوب إلى مستويات قياسية، فبات الجوع يهدد أجزاءَ من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
واصلت روسيا شحن قمحها بالسعر الذي يعد هو الأعلى الآن، حيث وجدت مشترين راغبين، وجنت المزيد من الإيرادات لكل طن. كما تتوقع وفرةَ محصول القمح في الموسم المقبل، مما يشير إلى أنها ستستمر في جني الأرباح من هذا الوضع. كما ارتفعت أسعار القمح العالمية بأكثر من 50% هذا العام، وجمع الكرملين 1.9 مليار دولار من عائدات ضرائب تصدير القمح حتى الآن هذا الموسم، وفقاً لتقديرات شركة الأبحاث والاستشارات الزراعية «سوف إيكون» (SovEcon).
وقال إن كل زيادة بنسبة 1% في الجوع تؤدي إلى زيادة الهجرة بنسبة 2%، مشيراً إلى أن 49 مليون شخص «يطرقون باب المجاعة» في 43 دولةً. وأوضح أن «هذه هي الدول الـ43 التي يجب أن نشعر بقلق بالغ حيالها، حيث يمكن لذلك أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار والهجرة الجماعية إذا لم نحرز تقدماً في هذا الأمر». وتعتبر روسيا وأوكرانيا من الموردين الرئيسيين للقمح وزيت عباد الشمس للعالم، كما تعتبر أوكرانيا من بين أكبر ستة مصدِّرين للذُّرَة والدجاج والعسل.
وقد اعتادت على شحن ملايين الأطنان من الحبوب سنوياً عبر البحر الأسود، حيث تحصل على 10% من ناتجها المحلي الإجمالي من قطاع الزراعة والغذاء. وتعتبر هاتان الدولتان من بين الدول القليلة في العالم التي تصدِّر كميات كبيرة من الأغذية إلى العديد من البلدان الأخرى.
بينما واجهت روسيا بعض المشكلات التي لم تدم طويلاً بعد الاجتياح مباشرة، فإنها تقدم الآن منتجاتها الزراعية بوتيرة أسرع من العام الماضي، مع استمرار شركات التجارة الدولية مثل «فيتيرا» و«كارجيل» في القيام بالشحنات. كما قامت حتى بشحن بعض الكميات إلى إسرائيل التي تشتري غالباً من أوكرانيا، وفقاً للموقع الإلكتروني AgFlow. وأفادت وكالة إنترفاكس للأنباء أن شحنات القمح الروسي لموسم 2021-2022 بلغت 34.1 مليون طن اعتباراً من هذا الأسبوع، بانخفاض 11% عن العام السابق.
وقال هوجو بوديت، المحلل في موقع AgFlow، إن روسيا قامت أيضاً بتهميش منافس رئيسي بشكل فعال، مشيراً إلى أنه خلال الفترة بين 1 أبريل و23 مايو، عززت روسيا بشكل كبير شحناتها من الحبوب إلى دول بما في ذلك تركيا وإيران مقارنة بالعام الماضي. وأضاف: «كانت أوكرانيا المنافس الرئيسي، لكن روسيا لديها ميزة كبيرة في هذا المجال نظراً لوجود منافسة أقل»، علاوة على تراجع إنتاج المحاصيل في عام 2022 في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واستطرد قائلاً: «يتحدث الكثير من الناس عن حظر البضائع الروسية، لكن الحقيقة هي أن هذه الدول المستوردة لم تتخذ أي إجراء مباشر ضد السلع الزراعية القادمة من روسيا».
ومن المرجّح أن تستمر الاتجاهات الحالية في المستقبل المنظور. في أوكرانيا، يقوم المزارعون بالزراعة من أجل الموسم المقبل تحت تهديد القنابل، ويقومون بإزالة الجثث من أراضيهم. وعلى الجانب الآخر، من المتوقع أن تحصد روسيا محصولاً قياسياً في الموسم الجديد بفضل الطقس الجيد.
في المقابل، يشهد كبارُ موردي القمح الآخرون من الولايات المتحدة إلى أوروبا الغربية موجات جفاف تهدد محاصيلهم. وقد سيطرت روسيا أيضاً على شحنات زيت عباد الشمس منذ بدء الحرب، بعد قطع الصادرات الأوكرانية عن طريق البحر. وقال بينتون: «يصبح الغذاء من وجهة نظر روسيا قطاعاً اقتصادياً تتمتع فيه بنفوذ سياسي واقتصادي. وعلى مدى السنوات المقبلة يمكنك أن تتخيل روسيا تقول: إننا نزرع الكثير من الحبوب، وسنمنحك إياها إذا دعمتنا».
ويعترف المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بأن أزمة غذاء عالمية قد نشأت، لكنه يلقي باللوم فيها على «أولئك الذين فرضوا عقوبات علينا والعقوبات نفسها السارية». ولا تستهدف العقوبات الأميركية والأوروبية بشكل صريح الصادرات الغذائية، لكن بعض الإجراءات ضد البنوك الروسية جعلت التمويل أكثر تعقيداً.
فقد ارتفعت تكلفة التأمين وشحن الحبوب الروسية بعد اندلاع الحرب بسبب العقوبات وازدادت مخاطر الإبحار في البحر الأسود، حيث تعرضت بعض السفن للقصف في بداية الحرب.وبينما تتضخم خزائن الدولة الروسية نتيجة لعائدات تصدير السلع، يعاني مواطنوها أيضاً من ارتفاع سريع في أسعار المواد الغذائية. وقد تكون روسيا مكتفية ذاتياً في المواد الخام، مثل الحبوب والسكر، لكنها تعتمد على الواردات في كل شيء، من التعبئة والتغليف إلى الأغذية المصنَّعة والنكهات والمكونات الأساسية.
وقد قامت الشركات الأجنبية، من شركة نستله إلى شركة يونيليفر، بترك روسيا أو الحد من عملياتها فيها بعد الاجتياح. وربما تكون الموجة الأولية من الشراء بسبب الذعر بعد بدء الحرب قد خمدت، لكن تضخم أسعار الغذاء وصل إلى أعلى مستوياته منذ عام 2004 على الأقل.
إين كوين*
*صحفية لدى «بلومبيرج»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»