الإمارات وتجربة تركيا التنموية
قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بزيارة عمل رسمية إلى الجمهورية التركية، التقى فيها الرئيس رجب طيب أردوغان. وأثناء الزيارة، بحث صاحب السمو رئيس الدولة العلاقات الودية وأواصر الصداقة بين الدولتين، وتعزيز العلاقات الاستراتيجية، ودفع الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تجمع الدولتين والشعبين الإماراتي والتركي.
وتأتي هذه الزيارة ضمن سعي دولة الإمارات الدؤوب إلى تعزيز علاقاتها مع دول المنطقة والعالم كافة لتحقيق المصالح المشتركة للدول والشعوب في إطار تحقيق الأمن والسلام العالمي الذي هو هدف رئيسي في سياسة دولة الإمارات الخارجية المعلنة.
وفي هذا الإطار، تبدو علاقات الإمارات بتركيا واعدة، حيث يوجد لدى كل منهما مصالح جمة يمكن تحقيقها من قبل الآخر وبالعكس.
علاقات الإمارات بتركيا لا تقتصر على الصعيد الدبلوماسي والسياسي، لكنها تشمل مجالات واسعة على الصعد الاقتصادية والتجارية والمالية والاستثمارية والاستراتيجية والأمنية والعسكرية والصناعية تطال القطاعين العام والخاص.
تركيا عادت لها أهميتها الكبرى لدى دول المنطقة بعدما استطاعت النهوض من مشكلاتها السياسية والاقتصادية طوال العقدين الماضيين، وهي تحقق الآن نجاحات ملفتة للنظر.
قرب تركيا من روسيا ووسط آسيا وسيطرتها على مضائق البوسفور والدردنيل، وجوارها الجغرافي للعالم العربي ولإيران، وإطلالها على البحر الأبيض المتوسط، تمنحها موقعاً جيو- سياسياً مميزاً.
وكعضو شرق أوسطي في حلف شمال الأطلسي «الناتو» يجعل منها جسراً يربط بين المنطقة العربية وجوارها الجغرافي وأوروبا وروسيا وأواسط آسيا. هذا من الناحية الاستراتيجية والسياسية والعسكرية، ولاعتبارات صارت مهمة جداً على ضوء الحرب الروسية- الأوكرانية، لكن التقدم الهائل الذي حققته تركيا على الصعيد الاقتصادي وفي الجوانب الصناعية والتكنولوجية للأسلحة وأجهزة المراقبة والطائرات المسيَّرة دون طيار «الدرونز» يزيد من أهمية تركيا العالمية كدولة مقبلة بقوة إلى ساحة السياسة العالمية.
وحقيقة أن الأهمية الأساسية الكبرى من مناظير السياسة الخارجية لدولة الإمارات، هي أهمية مركبة من جوانب اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية واستراتيجية ترتبط بإعادة التوازن إلى موازين القوى في الجوار الجغرافي لمنطقة الخليج العربي.
بالنسبة لدولة الإمارات بالذات، أصبحت تركيا ذات أهمية، نظراً لكونها في صعود سريع منذ انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وظهور قلاقل ما بعد الإطاحة بنظام الشاه السابق في إيران، ثم بعد ذلك مظاهر الفوضى التي ألمت بالعديد من الدول العربية وأصابت البعض منها.
أصبحت تركيا مهمة لدى كل من صناع السياسة وعلماء السياسة في دولة الإمارات على حد سواء، وهي أهمية لم توجد على الساحة السياسية بهذا الزخم. وفي تقديري أن السبب في هذه الأهمية يعود إلى أن تركيا إلى عهد قريب كانت تعتبر في مصاف الدول التي لا زالت في طور النمو، لكنها تمكنت في زمن قصير نسبياً من تحقيق نجاحات اقتصادية وتنموية مبهرة أخرجتها من دوائر عدم النمو، وهي تسير الآن إلى الأفضل بسرعة ملفتة للأنظار، بحيث يمكن أخذها نموذجاً يحتذى به على صُعُد كثيرة. تركيا لديها الآن تجربة انطلقت بها لكي تسطر لنفسها نقطة استدارة نحو المستقبل. والتجربة التركية في السير على طريق التنمية، أمر مثير لانتباه دولة الإمارات التي تسعى دائماً للاستفادة من ما يجري حولها من تجارب ناجحة.
*كاتب إماراتي