يقال إن «بعض الأشياء تفقد قيمتها إذا حُددت لها قيمةٌ»، وهذا ما حدث مع «تويتر» الذي هو أحد أكثر التطبيقات شعبيةً حول العالم، منذ حوالي عام، أي منذ صفقة الشراء الشهيرة للاستحواذ عليه من قبل إيلون ماسك، مؤسس شركة «تسلا» للسيارات الكهربائية، مقابل 44 مليار دولار أميركي.

إن ذلك المبلغ جعلها واحدةً من أكبر الصفقات لمنصة رقمية بهذا الانتشار والشعبية، فبعد الزخم الكبير الذي حصل عليه التطبيق الأشهر عالمياً على مستوى الأخبار والسياسة والاقتصاد والمال والأعمال والمجتمع، وبعد النجاح الواضح، تتراجع الآن أهميةُ «تويتر» بالنسبة للذين دخلوه من باب الطرح اللائق والقيمة المعرفية والمهنية، بسبب تحديد قيمته المادية التي لا تضاهي قيمته الأدبية بأي حال كان!

تميز «تويتر» دائماً بالمصداقية والموثوقية في الأحداث العالمية، وقد صعدت شعبيته وتضاعف عدد رواده في المنطقة العربية منذ 2011 تزامناً مع أحداث «الربيع العربي»، حين كان على قائمة المصادر الإعلامية الأكثر والأسرع رصداً للأحداث، مما اضطر الكثير من الصحف والوسائل الإعلامية والجهات الحكومية حول العالم للتسجيل في هذه المنصة ومواكبة التطور الإعلامي الذي انتقل بالمعلومة من الإعلام التقليدي إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حتى إن «تويتر» أذاب جميع الحواجز بين الشخصيات الاعتبارية عالمياً والنخب الأدبية والثقافية وعموم الشعوب، ما يعد سابقةً فريدة، فجعل العالَمَ يبدو صغيراً ومتشابكاً، وقضاياه متقاربة ومتلامسة، فما يحدث من أزمات إنسانية وأحداث سياسية وإنجازات طبية في أقصى الشرق يؤثر على أقصى الغرب.

لكن بعد صفقة الاستحواذ تحول «تويتر» إلى منصة تجارية تعرض خدمات جديدة بمقابل مالي، وسحب الامتيازات القديمة لبعض المغردين، من رجال المال والأعمال والسياسة والأدب والثقافة والإعلام، لتُخضَع تلك الامتيازات للدفع المسبق، فضلاً عن بعض السياسات الأخرى كسياسة إعادة الحسابات التي كانت مجمدةً بسبب البلاغات والتجاوزات اللفظية والتنمر والعنصرية والتعدي على خصوصيات الغير.. وسواها من سلوكيات غير مقبولة، لتعود هذه الحسابات وتنخرط بذات السلوك!

في إحدى مساحات «تويتر» دخلتُ مصادفةً إلى حلقة بعنوان جذاب ومضمون صادم قائم على الشتائم وتبادل الاتهامات ومفردات لا يقبلها دين ولا أخلاق. المغزى هنا ليس ما يدور في كثير من المساحات التويترية من فوضى، بل الصادم أن جميع المتحدثين في تلك المساحة «أسماء وهمية موثقة» بالعلامة الزرقاء، ما جعلني أستحضر زمن التوثيق منذ عام 2009 وحتى 2017، حين كان التوثيق يحتكم إلى معايير أخلاقية وإنسانية ومهنية.. فمثلاً أول حساب تم توثيقه على منصة «تويتر» كان المركز القومي الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وذلك في عام 2009 حين كان التوثيق يتطلب وثائق واشتراطات تثبت هوية المستخدم، والأهم من ذلك هو وثيقة لاستحقاق التوثيق كرابط مقالات أو دليل أداء وظيفي اعتباري، وعدد من المعايير المهنية للحصول على ثقة المتابعين في منصة افتراضية عالَمية مهمة تضم أكثر من 250 مليون مستخدم.

وللعلم، فقد تأسست منصة «تويتر» عام 2006 كشبكة اجتماعية للتدوين المصغر، على يد جاك دورسي، وتجاوز عدد مستخدميها حاجز 100 مليون مستخدم نشط شهرياً عام 2011، وفي أبريل 2022 وافق مجلس إدارتها على بيعها لتصبح على ما هي عليه اليوم!

*كاتبة سعودية