عندما كان الدخان المنبعث من حرائق الغابات الكندية ينتشر في أجزاء من الغرب الأوسط وشرق الولايات المتحدة في أوائل يونيو الماضي، كان الأطفال والآباء يتجمعون في فناء مدرسة بيرنز بارك الابتدائية في آن أربور، بولاية ميشيجان، استعداداً للقيام بنزهة احتفالاً بالأسبوع الأخير من المدرسة. كانت شانون هوتاماكي تكره إلغاء أنشطة نهاية المدرسة لابنها إيان البالغ من العمر 5 سنوات.
لكن «إيان» كان يعاني من ربو حاد واضطر إلى التوجه إلى غرفة الطوارئ خمس مرات على مدار العامين الماضيين، لذا فقد توقعت والدته أن تعاوده الأزمة، لذلك بعد عودته من النزهة، لم تدع «إيان» يغادر المنزل، واستكملت أدويته المعتادة بعلاجات البخاخات بالإضافة إلى تشغيل أجهزة تنقية الهواء بقوة حتى تصبح السماء صافية. باعتبارنا أطباء متخصصين في صحة الجهاز التنفسي والأطفال، كان أول ما فكرنا به الأسبوع الماضي، عندما اجتاح دخان حرائق الغابات مرة أخرى أجزاء من الولايات المتحدة، هو الأطفال الصغار من عمر «إيان» والأصغر سناً لأن رئتيهم اللتين في طور النمو ستكون معرضة بشكل خاص لاستنشاق الدخان.
كما أننا شعرنا بالقلق أكثر بشأن ملايين الأطفال المصابين بالربو في هذا البلد، والذين قد لا يتمكنون من الوصول إلى الأدوية الموصوفة التي يحتاجون إليها أو إلى مساحة داخلية نظيفة للتنفس. هذا التهديد الجديد والمتكرر بخصوص تأثر جودة الهواء جراء دخان حرائق الغابات هو أحد الأسباب الرئيسية التي تجعلنا نعتقد أنه بالنسبة للطفل المولود اليوم، قد يكون تغير المناخ هو المحدد الأكبر الوحيد للصحة على مدار حياته.
هناك، بالطبع، مشاكل صحية عامة أخرى ملحة تؤثر على الأطفال، بما في ذلك عنف السلاح وإدمان المواد الأفيونية والسمنة. لكن الآثار الصحية لتلوث الوقود الأحفوري وتغير المناخ تراكمية ولا مفر منها، مما يعرض نمو أطفالنا للخطر بينما يزيد من التباينات في مجال الصحة.
وأحدث مثال على ما يواجهونه هو حرائق الغابات الكبيرة والغزيرة، التي تغذيها الحرارة الشديدة والجفاف الذي يزداد سوءا مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، ويطلق أعمدة ضخمة من السخام والجزيئات الدقيقة والمواد السامة الأخرى في الهواء. يحمل الدخان الناتج عن حرائق الغابات مخاطر صحية تتجاوز بكثير حرائق المعسكر المعتادة. وفقاً لتقديرات إحدى الدراسات، يضر دخانُ حرائق الغابات بصحة الجهاز التنفسي للأطفال بنحو عشرة أضعاف التلوث المنتظم الذي نتنفسه من المصادر اليومية مثل عوادم المركبات. في الأسابيع الأخيرة، عندما اجتاح الدخان مدينة نيويورك، ارتفعت الزيارات إلى غرفة الطوارئ بسبب أزمات الربو، وتأثر الأطفال السود واللاتينيون، الذين يميلون إلى التعرض لمزيد من التلوث، بشكل غير متناسب.
وكلما كان الطفل أصغر سناً، زاد خطر دخوله المستشفى بعد التعرض للدخان. تخضع الرئتان، اللتان لا تصل إلى مرحلة النضج الكامل حتى أوائل العشرينات من العمر، لنمو سريع في السنوات القليلة الأولى من العمر. كما يتنفس الأطفال أيضاً بشكل أسرع من البالغين بالنسبة لحجمهم ويميلون إلى قضاء المزيد من الوقت في الخارج، وبالتالي يستنشقون هواء أكثر تلوثاً.
وقد مررنا، نحن الأطباء في كاليفورنيا، بأيام كانت فيها الأعمدة السوداء الناجمة عن دخان حرائق الغابات طاغية، لدرجة أن وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة كانت تفوح منها رائحة كريهة. وكان الأطفال الخدج (المبتسرون) الذين كان حجم الرئتين لديهم بحجم ثمرة الجوز يتنفسون في هذه الأدخنة السامة لأن نظام تنقية الهواء في المستشفى فشل في مواكبة ذلك. قد تبدأ المخاطر قبل الولادة وتؤثر على أعضاء بعيدة عن الرئتين.
وقد ارتبط التعرض للدخان بارتفاع معدلات الابتسار (الولادة المبكرة) وانخفاض الوزن عند الولادة. وظهرت علامات تلوث الهواء في دماغ وكبد الأجنة، وبعد حرائق الغابات الأسترالية 2019-2020، لاحظ الأطباء أن لون المشيمة يميل إلى اللون الأسود. على المدى القصير، يمكننا حماية الأطفال بشكل أفضل من التهديدات الناجمة عن تغير المناخ مثل دخان حرائق الغابات من خلال تدخلات بسيطة في مجال الصحة العامة. على سبيل المثال، فإن توفر بيانات أفضل عن جودة الهواء سيعمل على توعية الآباء بالمخاطر في الوقت الفعلي.
تعد أجهزة مراقبة جودة الهواء الأكثر حساسية مثل تلك التي قامت مدينة آن أربور بتثبيتها بداية جيدة، ولكنها قد لا تكون متاحة للمجتمعات الأقل ثراءً ولا تقدم تقارير على الهواء داخل المباني التي يتجمع فيها الأطفال. هذا هو السبب في أهمية مراقبة جودة الهواء الداخلي في المدارس أيضا. علينا أيضاً التأكد من أن التحذيرات الصحية تصل إلى الأشخاص الذين لا يتمكنون من الاتصال بالإنترنت، لذلك، يمكن أن تساعد أنظمة تنبيه المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج المدارس والمخيمات الصيفية أيضاً إلى إرشادات واضحة حول ما يجب القيام به عند تجاوز حدود تلوث الهواء.
ستحتاج المدارس إلى المزيد من التمويل الفيدرالي والمحلي لتثبيت أنظمة التدفئة والتبريد وتطويرها وصيانتها لضمان نظافة الهواء الداخلي أيضاً. وفي هذا الصدد، تقود كاليفورنيا الطريق من خلال بحث التشريعات للمساعدة في تحديث المباني المدرسية مع التركيز القوي على مقاومة المناخ.
ومن ناحية أخرى، تدعم قوانين مثل قانون الحد من التضخم الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري ونحو الطاقة المتجددة. لا وقت لنضيعه. يجب أن نستمر في الضغط على صانعي السياسات، وتذكيرهم بالعلاقة بين الوقود الأحفوري وسوء الحالة الصحية. ويمكن أن تساعد العديد من قواعد وكالة حماية البيئة المتعلقة بتنظيم التلوث الكربوني الناجم عن محطات الطاقة في كبح جماح الانبعاثات التي تؤدي إلى تفاقم حرائق الغابات وموجات الحرارة. وطوال الوقت، يجب أن نذكر أنفسنا بأنه من الممكن تحقيق مستقبل أفضل وأكثر صحة لأطفالنا.
الكسندر رابين وليزا باتيل
ــ. ـ ـ ـ ـ