مساحة متواصلة من البلدان الأفريقية من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر باتت تخضع الآن للحكم العسكري: مالي وغينيا وتشاد والسودان وبوركينا فاسو، ومؤخراً النيجر. بعض الانقلابيين أطاحوا بزعماء منتخَبين مثل رئيس النيجر محمد بازوم، بينما عرقل آخرون الانتخابات أو أطاحوا بالزعماء الذين نصّبوهم. إنها أكثر من مجرد سلسلة من الأحداث البعيدة المؤسفة، إنها علامة على أن جزءاً كبيراً من القارة – معظمه في منطقة جنوب الصحراء تعرف باسم الساحل - قد حاد عن مسار بناء الدول الناجحة.

وهذا الأمر يثير سؤالاً مزعجاً وله تأثير على العالم كله: كيف يمكن للبلدان الفقيرة وغير الآمنة صياغة نظام سياسي ومنح مواطنيها الثقة في أن الحكومة الديمقراطية يمكنها تحقيق ما يحتاجون إليه؟ حتى الآن، رد المسؤولون في واشنطن وبروكسل ولندن وأديس أبابا، حيث يقع مقر الاتحاد الأفريقي، على كل الانقلابات العسكرية المتتالية على أنها أزمات خاصة به.

وفي كل بلد سيطر عليه الجنرالات مؤخراً، تسبب الفساد في إفراغ الإدارة المدنية وتقويض مصداقية السياسيين، في حين يتلقى الجنود دعم رعاة أجانب يريدون قواعد عسكرية، والتعاون ضد الإرهاب، والسيطرة على الهجرة. والواقع أن الديمقراطية لا يمكنها أن تصمد وتستمر إذا لم تتمكن من تحقيق نتائج. فعلى غرار بقية العالم، يريد الأفارقة وظائف، وطعاماً وسكناً بأسعار في المتناول، وتعليماً ورعاية صحية جيدين. كما يريدون السلام والأمن وفرصة تحديد مسار مستقبل دولهم من دون تلقي أوامر بما يمكنهم وما لا يمكنهم فعله من القوى الأجنبية. وفي معظم أفريقيا، يرغب المواطنون أيضاً في الديمقراطية بأغلبية ساحقة، ولكنهم يشعرون بالإحباط عندما لا يحقق القادة المنتخَبون نتائج. ولذلك فحينما يرحّب الناس بانقلاب، فإنهم يفعلون ذلك في الغالب لأنهم يرون أنه الطريق إلى حكومة منتخَبة بشكل أفضل.

أكبر التحديات التي تواجهها البلدان الأفريقية اليوم اقتصادية. فالبلدان الأفريقية تحتاج إلى الاستثمار الأجنبي، والحال أنه في ما عدا مجالات النفط والغاز والمعادن، فإن الاستثمار لا يحقق معدلات العائد التي يمكن أن تنافس الأسهم الرائدة في «وول ستريت». ذلك أن المستثمرين في الغالب يرغبون في صفقات سريعة وعوائد سريعة. كما تخسر أفريقيا ما يناهز 90 مليار دولار – أو ما يعادل 3,7 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي - في تدفقات مالية غير مشروعة كل عام، وفقاً للأمم المتحدة، معظمها من خلال صفقات بأسعار غير صحيحة داخل الشركات العابرة للبلدان. كما أن هناك أزمة ديون أفريقية جديدة، حيث تدين الكثير من البلدان الأفريقية بالمال للصين عن استثمارات أو قروض في مجالات التعدين والنقل والاتصالات بشكل خاص.

وبخصوص الوظائف، فإن البلدان الأفريقية لا تستطيع منافسة الصين وبلدان آسيوية أخرى في الصناعات ذات الأجور المنخفضة مثل المنسوجات والأحذية، وبدلاً من ذلك، أصبحت هذه البلدان تتعرض للإغراق بالأزياء السريعة غير المرغوب فيها.

ولئن كانت مجتمعات الساحل تعتمد على تربية الماشية والزراعة الموسمية والتجارة عبر الصحراء في الماضي، فإن الزراعة اليوم لا تستطيع توظيف عدد كاف من الناس، ومنتجي الأغذية التجارية لا يستطيعون التنافس في الأسواق العالمية. وفي الأثناء، أصبحت طرق التجارة القديمة التي كانت تجلب الثروة إلى البلدان الواقعة على أطراف الصحراء محاور للمهرِّبين والمتاجرين بالبشر. كل تحدٍّ من هذه التحديات يزيد من صعوبته العامل الديموغرافي. إذ تُعد النيجر الدولة الأسرع نمواً من حيث عدد السكان في العالم، بأكثر من 3 في المئة سنوياً.

وتضم بلدان الساحل العشرة، حيث تتساقط أحجار الدومينو الانقلابية الآن، حوالي 354 مليون شخص اليوم. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكان العديد من هذه البلدان في 2050.

وبحلول ذاك الوقت، يتوقع أن تضم أفريقيا 40 في المئة من شباب العالم الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً. وفي غضون ذلك، تنمو أحجام الفصول الدراسية في المدارس والجامعات وتكبر بشكل أسرع من قدرات الدول على تدريب المعلمين. ويدخل الشباب سوق العمل بأعداد تفوق بكثير نمو الوظائف.

كل الحكومات المدنية التي أطيح بها خلال السنوات الأخيرة فشلت في تلبية الاحتياجات الأساسية للناس - مثل التوظيف والأمن والتعليم والرعاية الصحية. وكثيراً ما يحصل قادة المجلس العسكري على إشادة قصيرة من المواطنين المحبَطين، ولكنهم على المدى الطويل لا يستطيعون تحقيق نتائج أيضاً. وقد يُظهرون شجاعة وتحدياً ويحصلون على الإشادة لأنهم طردوا القوى الاستعمارية السابقة وخلقوا زخماً حول الحملات قصيرة الأمد، وخاصة ضد المتمردين. ولكن ذلك لا يمكن أن يستمر طويلاً، جزئياً لأنه يؤدي إلى قطع المساعدات وردع المستثمرين.

تخضع إدارة بايدن لإرادة القادة الأفارقة حين التعامل مع القارة، وهذا بالطبع الشيء الوحيد المعقول الذي يجب فعله. وحتى الآن، كان هذا هو موقفها من الانقلاب في النيجر. ولكن الخيار الأفضل هو التفاوض - المدعوم بعزلة دبلوماسية وعقوبات موجهة - من أجل إعادة تنصيب بازوم إلى منصبه.

وكخيار أخير يمكن لواشنطن أن تلقي بثقلها وراء الدول المجاورة التي ترسل قوات لفرض مبدأ الاتحاد الأفريقي، الذي أُقر في 2001، برفض الاستيلاء غير الدستوري على السلطة، ولكن إجماع دول غرب أفريقيا على مثل هذه الخطوة عالية المخاطر ليس قوياً بعد. وخلاصة القول إن على الأفارقة والأميركيين، على حد سواء، أن يواجهوا حقيقة أنه لا توجد حلول أفريقية خالصة للأزمات متعددة الطبقات التي تعاني منها منطقة الساحل. كما أن لا أحد يملك صيغة بسيطة لخلق دول قابلة للحياة عبر القارة الأفريقية.

إنه واحد من أصعب التحديات التي يواجهها العالم، وهو يزداد صعوبة كل عام في عالم يزداد حرارة وسكاناً. ولعل هذه هي أفضل حجة يمكن الدفع بها لرسم الاستراتيجيات طويلة المدى اليوم. ولا شك أن الخطوة الأولى هي الاعتراف بحجم الأزمة – وبأوجه القصور والضعف في ما كنا نقوم به حتى الآن.

*المدير التنفيذي لـ«مؤسسة السلام العالمي» بجامعة تافتس الأميركية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»