قلبي مع أشقائي في المغرب وليبيا، ومع كل إنسان فقد ما فقد في الأحداث المؤلمة التي جارت مؤخراً على البلدين العزيزين عليّ. نعم.. الصيف ساخن وملتهب هذا العام، بما فيه من أحداث وأخبار عالمية أغلبيتها لا تسر الخاطر، فما نكاد نتجاوز حادثة حتى نستفيق على أخرى أكثر إيلاماً.

لقد داهمنا خبر زلزال المغرب وزلزلنا ليؤلمنا مجدداً بعد أن كنا قد تجاوزنا ولو قليلاً ما حدث في تركيا وسوريا، وتلا هذا الزلزال إعصار دانيال الذي ضرب ليبيا فتسبب بمحو مناطق كاملة من مدينة درنة شرق البلاد، كما خلف دماراً هائلاً. حاصرتنا صور المأساتين وغرقنا في تفاصيلهما الإنسانية، ونعيش أحزاننا على ما آل إليه حال أهلنا في البلدين الشقيقين.

في المغرب الزلزال «الأعنف في تاريخ المملكة» دمر آلاف المباني، وكاد يمحو قرى بأكملها بعد أن قضى فعلياً على رجال قرية بأكملها، ولم يتبق لنسائها وأطفالها إلا الذكريات والآلام.

ومن بعد الزلزال استفاق إقليم ميدلت الواقع شرقي المغرب على فيضانات وسيول جارفة، فيما ضربت عواصف عاتية مدينة وجدة عطلت حركة السير واقتلعت الأشجار، وقتلت من قتلت. وجراء ذلك سيتحمل المغرب فاتورة اقتصادية ثقيلة تقارب قيمتها 150 مليار دولار. ولأن مواقع أثرية بالغة الأهمية - مراكش مثلاً – تأثرت بسبب الزلزال، وتحديداً المدينة العتيقة المدرجة في قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)- فلا شك أن دخل المغرب من السياحة سيتأثر كثيراً، إلى جانب تعليق الإنتاج الصناعي في بعض المناطق المتضررة بسبب الأضرار التي طالت البنية التحتية.

في درنة شرق ليبيا، المشهد كان كارثياً للغاية أيضاً. فالمدينة لم تستطع مواجهة إعصار دانيال الذي خلف وراءه خسائر بشرية فادحة، في حين طمست السيول مساحات شاسعة من تلك المدينة المطلة على البحر المتوسط، وانهارت سدود، وهوت مبانٍ على رؤوس ساكنيها.

وحتى اللحظة يصعب حصر أعداد القتلى والمفقودين في درنة مع ترجيح أن يتجاوز الرقم عشرات الآلاف، ومن بينهم عرب من عدة جنسيات كانوا يبحثون عن لقمة العيش فيها، خصوصاً وأن أحياء ومناطق كاملة من تلك المدينة المنكوبة اختفت، وهي كارثة لم يشهدها تاريخ ليبيا.

وبالطبع، فإن هذا الدمار يزيد من قسوة الأزمات المترتبة على الأوضاع السياسية الهشة التي تعيشها ليبيا منذ سنوات في ظل صراع عدة قوى على السلطة. إن مأساة المغرب وليبيا تؤكد أن العالم يواجه تهديداً وجودياً بسبب الاحترار والتغيرات المناخية التي تنجم عنها كوارث تضرب مختلف أصقاع المعمورة، بين أعاصير وحرائق وفيضانات وزلازل، وتداعياتها تخرج عن السيطرة في بعض الدول، متسببة بدمار هائل وضحايا بمئات الآلاف وخسائر مادية بمليارات الدولارات.

كل ذلك يؤكد أن مشكلة التغير المناخي لم يعد مسموحاً السكوت عنها، وبالتالي أصبح التحرك لحماية كوكب الأرض مطلوباً أكثر من أي وقت مضى، وكل ذلك ستتم مناقشته في مؤتمر المناخ (كوب 28) الذي تستضيفه الإمارات في شهر نوفمبر المقبل. فهل سيكون باب الأمل مفتوحاً لإنقاذ البشرية.

وحتى ذلك الحين تقوم الإمارات بواجبها الأخلاقي والإنساني تجاه الدول المتضررة والشعوب المنكوبة التي لا حول لها ولا قوة. فلم تمر ساعات على وقوع المأساة في المغرب حتى هبت الإمارات لدعمها، في حين سيّرت جسراً جوياً محملاً بفرق الإنقاذ والمساعدات الطبية والتموينية العاجلة إلى ليبيا، وأعلنت قيادة الإمارات تضامنها وتعاضدها مع البلدين الشقيقين وشعبيهما، وحسبما أعلنت الإمارات أن العمل قائم على قدم وساق لتوفير كافة سبل الدعم الإنساني لهما ونحن معهما قلباً وقالباً.