أوكرانيا.. ومواجهة شتاء آخر
ينطوي الهجوم الصيفي الذي شنته أوكرانيا ضد القوات الروسية المتمركزة في مناطق أوكرانية على عنصرين عسكريين: أولهما القتال المباشر على الخطوط الأمامية. وتشبه هذه المواجهة بشكل كبير حرب الخنادق في الحرب العالمية الأولى. وقد حققت أوكرانيا مكاسب محدودة، لكنها لم تحقق اختراقات كبيرة مماثلة لانتصاراتها في وقت سابق من العام عندما اضطرت القوات الروسية إلى الانسحاب من مناطق واسعة في شرق أوكرانيا.
وإذا لم يتغير خط الجبهة الحالي كثيراً خلال الأسابيع المقبلة، فمن المرجح أن يؤدي مطلع فصلي الخريف والشتاء، بما يصاحبهما من أمطار وطين وثلوج وجليد، إلى بقاء القوى المتحاربة في أماكنها حتى الربيع المقبل.
أما العنصر الثاني للهجوم فهو مختلف تماماً وربما يمكن وصفه باعتباره «المعركة العميقة»، بالإشارة إلى الهجمات التي شنتها أوكرانيا على جهود الدعم اللوجستي الروسية التي تنقل الإمدادات الحيوية إلى منطقة الحرب عبر الطرق البحرية والبرية مباشرةً من روسيا وعبر شبه جزيرة القرم.
ويبدو أن هذا العنصر من القتال كان أكثر فعالية، ومع الوصول المتوقع لأسلحة غربية جديدة وأكثر تطوراً يمكن أن يغير في النهاية زخم ساحة المعركة لصالح أوكرانيا جزئياً. ومن بين الأسلحة الجديدة الأكثر أهمية، صواريخ كروز جو-أرض، مثل صاروخ «ستورم شادو» Storm Shadow الأنجلو-فرنسي الذي يصل مداه إلى 500 كيلومتر، وهو مثالي لتدمير الجسور ومستودعات الذخيرة.
ومن المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة قريباً بتزويد النظام الصاروخي التكتيكي للجيش الأوكراني بـ«أتاكمز» (ATACMS) الذي طال انتظاره والذي يمكن إطلاقه بواسطة نظام المدفعية المحمول «هيمارز» Himars ويبلغ مداه 300 كيلومتر. إنه دقيق للغاية ويمكنه الوصول إلى عمق الأراضي التي تتمركز فيها القوات الروسية.
كما ستقوم الولايات المتحدة وحلفاء آخرون قريباً بتسليم طائرات مقاتلة من طراز «إف-16» إلى أوكرانيا، مما سيؤدي إلى تحسين الدفاع الجوي لهذه الأخيرة بشكل ملحوظ. وبالإضافة إلى الهجمات على أهداف لوجستية، تم شن عدد من الهجمات البحرية الجريئة بطائرات من دون طيار ضد الأسطول الروسي في البحر الأسود. كما تم استخدام طائرات جديدة من دون طيار ضد أهداف عسكرية ومدنية داخل روسيا بما في ذلك موسكو. ويأمل أولئك الذين يدعمون أوكرانيا أن يؤدي ضعف خطوط إمداد روسيا إلى الحد من قدرتها على تعزيز مواقعها الدفاعية.
وإذا حدث اختراق على خط المواجهة مكّن أوكرانيا من استهداف طرق الإمداد بالمدفعية الأساسية، فقد تتمكن قواتُها من الاحتماء استعداداً لفصل الشتاء وهي في موقع أقوى من ذي قبل. لكن هذه النتيجة المتفائلة قد تفشل، خاصة إذا وصل الطقس السيئ مبكراً. وعندها سيتعين على أوكرانيا الاعتماد على قدراتها في «المعركة العميقة»، والأمل لدى حلفائها الغربيين في أن تتغير أولويات الجيش الروسي وهو يفكر في عام ثالث من الحرب.
لذا فربما تأمل روسيا في أن يصبح الطقس والشتاء والإرهاق من الحرب في الغرب أحد أهم حلفائها. إذا امتدت الحرب إلى عام ثالث، قد يؤثر عدد من الأحداث العالمية على مدتها ونهايتها النهائية. يمكن أن تترجم المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الصين إلى نمو أبطأ مما اعتاده التنين، وبالتالي انخفاض الطلب على الوقود الأحفوري من روسيا، الأمر الذي من شأنه أن يخلق بالنسبة للأخيرة مشاكل اقتصادية جديدة.
ومن الممكن أن يؤدي صعود الأحزاب الشعبوية اليمينية في أوروبا إلى تعزيز المشاعر المناهضة للحرب، وخاصة إذا كان الشتاء المقبل قاسياً وتكاليف الطاقة مرتفعة. كما ستتفاقم الانقسامات الأكثر ضرراً وخطورة بين حلفاء «الناتو» إذا ضغطت العناصر الانعزالية داخل الحزب الجمهوري من أجل خفض المساعدات وإنهاء الحرب بدلاً من الاستمرار في تقديم دعم مفتوح لأوكرانيا.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» - واشنطن