في شهر نوفمبر من كل عام تمر على شعب دولة الإمارات العربية المتحدة ذكرى وطنية مهمة هي عزيزة على قلوبهم يقوم من خلالها أهل الإمارات حكومة وشعباً بالاحتفاء بها هي يوم العَلَم، حيث ترفع الرايات عالياً بألوانها الأربعة خفاقة مرفرفة على رؤوس السواري، فما هي دلالات هذا الاحتفاء السنوي بيوم العلم، ولماذا يقوم شعب دولة بكافة أفراده وأطيافه ومؤسساته الرسمية والشعبية، بهذه الاحتفالية المهيبة تقديراً للعَلم ويوم العلم؟

إنه لأمر طبيعي بأن العَلم ليس مجرد قطعة قماش ترفرف في رأس سارية، بل هو رمز وطني يجسد أربعة أمور أساسية في عمر الدولة وحياتها وبقاؤها واستمراريتها، هي السيادة والشرعية والقوة والسلطة على مكونات الوطن من أرض وبحار وثروات.

من وجهة نظر تحليلية يبدو بأن أبناء دولة الإمارات يدركون تماماً أهمية هذه العناصر الأربعة التي يجسدها عَلمهم، ويبدو أيضاً بأن عنصر السيادة، هو أهمها جميعاً، فالسيادة هي قلب الدولة النابض وسر الحياة فيها. والسيادة هي سلطة دائمة، لأن السلطة المؤقتة ليست ذات سيادة ومن يباشرها إلى حين ليس بصاحب سيادة، إنما هو أمين عليها يتولاها لحساب الدولة صاحبة السيادة الأصلية. وعنصر الاستدامة في السلطة هو الذي يربط السيادة بالدولة التي تباشر السلطة لمدى الحياة دون أن تقف السيادة فترة ما.

السلطة الشرعية هي الحق في اتخاذ القرارات وإدارة شؤون الدولة مدعوم من قبل القانون، لكن هذا التعريف ربما هو غير مناسب على إطلاقه للسلطة، وذلك لأن القوانين يمكن تغييرها من قبل الحكومة أو النظام السياسي، سواء ضمن حياة الجيل نفسه أو الأجيال القادمة، لكن المهم في سياق حديثنا هذا هو أن الشرعية أو السلطة الشرعية تفصح عن بعض من الإثباتات الشعبية لتبريرات مقبولة لممارسة السلطة والحكم. وحقيقة أن الشرعية يتم تحديدها من قبل العودة إلى التوجهات والآراء الشعبية أو من قبل تعود الشعوب على ما لديهم، أو من خلال قيام الشعوب طواعية بتقبل القادة والمؤسسات والقوانين.

إن من المعروف في المجتمع البشري أن مصادر السلطة الشرعية هي ثلاثية الأبعاد مستمدة من التقاليد والكاريزما والحكم العقلاني الرشيد، لذلك فإن مجتمع الإمارات لا يبتعد عن ذلك، حيث مصادر السلطة السياسية الشرعية لديه مرتبطة بالتقاليد المحلية والأعراف العريقة الضاربة في عمر الزمن.

أما القوة، فهي قدرة أفراد المجتمع في الحصول على حاجاتهم ورغباتهم الأساسية الشاملة، وهي لا شرعية لها في حد ذاتها وبهذا الشكل المجرد إذا لم ترتبط بطاعة أولي الأمر في الدولة والمجتمع وبشكل طوعي دونما عنف أو خوف أو وجل لأنها لو ارتبطت بذلك، فستصبح غير مستقرة. وعليه فإن القادة الحقيقيون هم الذين يسعون إلى توفير متطلبات ورغبات واحتياجات شعوبهم من الأمن والرزق والاستقرار قبل أي شيء آخر وبقدر الإمكانيات المتاحة، وهذا ما يحدث الآن في دولة الإمارات وبوسائل شتى جميعها رصينة وهادئة.

هؤلاء القادة يعملون على أن يكون سلوكهم وقراراتهم مرتبطة بشرعيتهم التي تحول قوتهم إلى سلطة راسخة قائمة على الأعراف الوطنية الضاربة في جذور التاريخ، وتلك قوة حقيقية تمهد الطريق لبناء الحاضر والمستقبل. وخلاصة القول إن أبناء الإمارات يهتفون جميعاً بأن «عَلمنا هو رمز سيادتنا وعزتنا وشرعية الحكم لدينا»، ولذلك فإن التفسير العلمي التحليلي لهذه المقولة يشير إلى أن العَلم ورمزيته المبجلة يفصحان عن السيادة والسلطة والشرعية والقوة التي يعتز بها أبناء الإمارات، والتي تجسد عزتهم ومنعتهم وكرامتهم وثقتهم بأنفسهم.

*كاتب إماراتي