تُمثِّل دولة الإمارات نموذجاً رائداً على المستويين الإقليمي والدولي، من خلال تطلعها الدائم نحو تبنِّي أكثر الحلول التكنولوجية تقدُّماً والاستفادة منها ضمن مختلف القطاعات الحيوية، سعياً لمستوياتٍ أعلى من التميُّز والكفاءة والإنتاجية.

تأكيدٌ جديد لهذا الواقع جاء من خلال تحليلات بحثية مُعمَّقة صدرت أخيراً عن «مجموعة بوسطن الاستشارية»، وهي واحدة من أرفع شركات الاستشارات على مستوى العالم، ضمن تقرير حمل عنوان «المدفوعات العالمية 2023»، وتوقَّعت فيه المجموعة تسجيل صناعة المدفوعات وتكنولوجياتها وبناها التحتية في دولة الإمارات قفزةً في إجمالي إيراداتها، بنسبة 55% عما هو قائم حاليّاً، ليصل إلى 19.8 مليار دولار بحلول عام 2027. ويدفع هذه القفزةَ بصورةٍ رئيسية النموُ الكبيرُ والمتوقع في المعاملات الرقمية، وتقدُّم تكنولوجيات المدفوعات وتوجُّهها نحو نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وقد خلُصت نتائج التقرير إلى أن القطاع المحلي في صناعة المدفوعات سيحقق مستويات نموٍّ متميزة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، على الرغم من التوقعات بتباطؤ هذه الصناعة على مستوى العالم. ويعود ذلك بصورةٍ كبيرةٍ إلى أن دولة الإمارات كانت من بين أوائل الدول التي توجَّهت للحلول الرقمية والذكاء الاصطناعي، بما فيها نماذجه التوليدية، واستخدامها في تحسين كفاءة العمليات التشغيلية وفاعليتها، وهي أمورٌ ستنعكس إيجابيًّا في صورة زيادة إيرادات صناعة المدفوعات مستقبلًا.

وإضافةً إلى ذلك، فقد أظهر قطاع المدفوعات المحلي في السابق، ومن خلال تبنِّيه للحلول المتقدمة، مرونةً كبيرةً جعلته ينجح في تجاوز التحديات التي تأثَّر بها العالم، وكان من أهمها جائحة كوفيد-19 والتقلبات الاقتصادية التي رافقتها، بل عكس القطاع ما بين عامي 2018 و2022 نموّاً سنويّاً بلغ معدله 9.7%، مقابل تسجيل النظام البيئي العالمي لصناعة المدفوعات معدَّل نموٍّ سنوي بلغ 8.3% فقط في الفترة نفسها.

وفضلًا عن الحلول التكنولوجية المتقدمة، سيكون من المُحرِّكات المحفِّزة لنمو صناعة المدفوعات في دولة الإمارات التوسُّع الاقتصادي في دخول شركات عالمية جديدة إلى السوق المحلي، وتفضيلات المستهلكين التي تتوجه بصورة متزايدة نحو تفضيل المدفوعات الرقمية عن المعاملات النقدية، إضافةً إلى السياسات الحكومية الناجحة ومبادراتها الداعمة للتكنولوجيا المالية وحلولها الرقمية المتطورة.

وأشار التقرير كذلك إلى أن صناعة المدفوعات في دولة الإمارات، شأنها في ذلك شأن الدول المتقدمة، تواجه تحدِّيات من أهمها حقيقة وجود أكثر من 5000 شركة للتكنولوجيات المالية من حول العالم، يحاول كلٌّ منها ترك بصمته في صناعة المدفوعات، وهو ما قد يتطلب من الشركات التي تتخذ من دولة الإمارات مقرًّا لها وضع استراتيجياتٍ فاعلة للحفاظ على قدرتها التنافسية. وقد سلَّط التقرير الضوء على مجالات عدة يمكن أن تُشكل توجُّهات استراتيجية محتملة لصناعة المدفوعات في دولة الإمارات مستقبلًا، من بينها رفع مستويات المرونة التشغيلية، وتعزيز استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتركيز على عمليات الدمج والاستحواذ التي تضمن قدرات تنافسية عالمية وعلى المدى الطويل.

إن التحليلات التي أصدرتها «مجموعة بوسطن الاستشارية» تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك فاعلية النهج الاستشرافي المعروف عن دولة الإمارات، واستباقيتها فيما يتعلق بتبنِّي التكنولوجيات المتقدمة ضمن قطاعاتها الحيوية، وهي أمور تخدم رؤيتها المستقبلية في التقدُّم والابتكار والنمو الاقتصادي.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.