تحتفل دولة الإمارات بعيد الاتحاد الثالث والخمسين وبذكرى قيامها كدولة اتحادية تم الإعلان عنها في الثاني من ديسمبر 1971.

وفي مسيرتها المباركة أصبحت الدولة عضواً ناشطاً في المجتمع الدولي لها تأثيرها الواضح في شؤون الخليج والعالم العربي والنامي والعالم أجمع. والإمارات لم تصل إلى هذا المستوى المرموق من التقدم والازدهار والاستقرار والنفوذ المؤثر من فراغ وبسهولة، إنما نتيجة لنشاط مثمر وعمل دؤوب يسهم به وفيه جميع أبنائها المخلصين، في ظل قيادة رشيدة، ترشدهم إلى العمل والسير في الاتجاه الصحيح لإنجاز كل ما هو مفيد في صالح بناء وطنهم وأنفسهم.

ودولة الإمارات تحتفل بعيدها الوطني، يتحدث الكثيرون على مدار العالم بأن هذه الدولة الاتحادية التي تواجدت منذ سنوات قليلة بمقاييس أعمار الدول أصبحت دولة ذات قوة مهابة ومقدّرة بين دول العالم، لها وزنها الثقيل وشأنها العالي، فأين تكمن هذه القوة التي يدور الحديث عنها؟ ورغم وجود اتفاق واسع بأن الإمارات تملك القوة، إلا أنه يوجد قدر من الاختلاف حول نوع هذه القوة، وفي أي الجوانب تكمن، وهل هي قوة اقتصادية ومالية لكنها ذاتها وضع عادي على الصعيد السياسي والاستراتيجي؟ وكيف يمكن تحويل القوة الاقتصادية والمالية إلى شأن عملي؟ وكيف يمكن إبراز ذلك؟ أم هي قوة ناعمة؟ وكيف يمكن لها توجيه مساراتها وإلى أين؟

وبالتأكيد أن الإجابة على هكذا تساؤلات تعتمد على ما لدى الباحثين والمراقبين الذين يطرحونها من آراء وتوجهات ونوعية المواقف والنوايا التي يتوخاها كل منهم من وراء الأسئلة، وما إذا كانت النوايا هي دعوة الإمارات إلى تحمل المزيد من الأعباء والمسؤوليات في الشؤون الإقليمية والعالمية، أم هي بغرض تقييم الإمارات ذاتها للقوة التي تحوزها؟

إن العديد من الباحثين في شؤون الإمارات تعتريهم الحيرة من زاوية أنه بغض النظر عن جميع مكونات وعناصر القوة الظاهرة التي تحوزها نتيجة لنجاحاتها في مجالات التنمية والاقتصاد والتجارة والمال في الداخل والخارج، إلا أن هذه القوة لم تتحول بعد إلى أداة عملية فعالة لتحقيق الأهداف الوطنية الاستراتيجية العليا، فالقوة المتواجدة تمارس بهدوء وحكمة وفطنة وبشكل مختلف عن الطرق التقليدية التي تمارس بها الدول القوية ما تحوزه من قوة. هذه الحالة تحتم طرح سؤال فحواه: كيف يمكن تفسير هذا التضاد المرتبط بقوة ربما هي غير مدركة من قبل من يحوزها؟

وبالإضافة إلى ذلك تبدو مصالح الإمارات الوطنية العليا محققة بوسائل كفوءة، وبذلك ينظر إلى الإمارات بتعجب وحيرة بسبب كونها تمارس قوتها الناعمة فقط لتحقيق أهدافها وبنجاح منقطع النظير. وفي عيدها الوطني الثالث والخمسين يبدو الاهتمام بالمسار المستقبلي لقوة الإمارات هو الأكثر وضوحاً في الخليج العربي.

ويتساءل الخليجيون حول احتمال تحويل الإمارات لمسارات قوتها الناعمة إلى قوة صلبة. ففي حوض الخليج العربي الإمارات ذات قوة ناعمة مؤثرة قائمة على عناصر اقتصادية ومالية وديبلوماسية ذات فعالية وفقاً للمقاييس المتاحة، فهي دولة منجزة على صعيد الناتج القومي الإجمالي والتقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي ومتانة البنية التحتية والاقتصاد والتجارة الخارجية والكفاءة المالية وابتكارات وإبداعات البحث العلمي وجودة الموارد البشرية وكفاءة استخدام الموارد المتاحة والمحافظة على البيئة وصيانتها. جميع هذه المكونات تعتبر مقدرات وكوامن وأرصدة يمكن تحويلها بجاهزية وبشكل سريع إلى مظاهر للقوة، لذلك فإن احتمالية أن تصبح الإمارات قوة إقليمية وكونية هي احتمالية قائمة ذات مصداقية.

إن هكذا احتمال هو أمر واقعي أخذاً في الاعتبار الشعار المطروح الذي ينادي بأن تصبح الإمارات هي الأولى والرقم واحد في كل مجال تخوضه وترغب في الإنجاز على صعيده. نبارك للإمارات عيدها الوطني قيادة وشعباً متمنين لها استمرار العطاء والخير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

*كاتب إماراتي