ترك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، بصمة خالدة على العالم كقائد مزج بين المبادئ الإسلامية والحكم العصري بحكمة وبصيرة فريدة. بفضل قيادته الرشيدة، أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً عالمياً يُحتذى به في مجالات التقدم والتسامح والرخاء. ويظل إرثه مصدر إلهام خالداً لما يمكن أن تحققه القيادة الإسلامية من وحدة وتنمية وتعايش سلمي.
ارتكزت قيادة الشيخ زايد على قيم الإسلام الراسخة: العدل والرحمة والمساواة. فقد آمن، رحمه الله، بأن الحكم يجب أن يُجسّد تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية، مع التركيز على تعزيز رفاهية جميع أفراد المجتمع. وقد عبّر عن ذلك بقوله المأثور: «نهج الإسلام هو التعامل مع كل شخص كإنسان بغض النظر عن عقيدته، أو عرقه». عكست سياساته هذه القيم السامية بكل وضوح، فكان التزامه بالعدل جلياً في جهوده لرأب الخلافات بين القبائل وضمان التوزيع المنصف للموارد. كما ظهرت حكمته من خلال حرصه على إطلاق برامج الرعاية الاجتماعية التي ضمنت حصول كل من المواطنين والمقيمين على الرعاية الصحية والتعليم والسكن الكريم.
واليوم يُعد توحيد دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971 أبرز إنجازاته، رحمه الله، إذ تطلّب هذا المشروع التاريخي قيادة استثنائية ودبلوماسية حكيمة ورؤية ثاقبة. استطاع الشيخ زايد أن يجمع حكّام الإمارات السبع على قلب رجل واحد، مؤسساً لثقافة الثقة والتعاون، ورأى في الوحدة الوطنية واجباً أخلاقياً قبل أن تكون مسألة سياسية، مستنداً إلى مبدأ الشورى الإسلامي.
وأسس، رحمه الله، النظام الفيدرالي الذي جمع بين الاستقلال المحلي والوحدة الوطنية، وهو نموذج فريد أثبت كفاءته مع مرور الزمن وأسهم في جعل الإمارات واحدة من أكثر الدول استقراراً وازدهاراً في المنطقة. وعلى الرغم من تمسكه العميق بالقيم الإسلامية والعربية، أدرك الشيخ زايد أهمية الانفتاح على العالم ومواكبة التحديث، فقد كان يؤمن بأن الإسلام يدعو إلى العلم والابتكار والتطوير.
وبناءً على هذا المبدأ، استثمر بشكل كبير في تطوير البنية التحتية، والارتقاء بمستوى التعليم، وتعزيز الرعاية الصحية. كما كان رحمه الله رائداً في تمكين المرأة، مشدداً على أن الإسلام يضمن حقوقاً متساوية للرجال والنساء. وأسهمت جهود الشيخ زايد في إحداث نقلة نوعية في تعليم المرأة وزيادة مشاركتها في سوق العمل، ما جعل الإمارات نموذجاً يُحتذى به على مستوى العالم العربي والإسلامي. إلى جانب ذلك، حمل الشيخ زايد، رحمه الله، راية الاستدامة وحماية البيئة، متجذراً في القيم الإسلامية التي تحث على الحفاظ على الموارد الطبيعية، فأطلق مبادرات رائدة لمكافحة التصحر والحفاظ على المياه وتعزيز التنمية المستدامة، ما أكسبه لقب «رجل البيئة» وشهادة دولية من الأمم المتحدة ك«بطل الأرض».
وتميز نموذج الشيخ زايد، رحمه الله، في الحكم برؤية قائمة على التسامح، ففي منطقة غالباً ما تطغى عليها الانقسامات الطائفية والعرقية، أسس الشيخ زايد مجتمعاً يحتضن جميع الثقافات والديانات وقد كان إيمانه العميق بأن الإسلام دين سلام وتعايش هو الأساس الذي شكل سياسات الإمارات... مما جعلها نموذجاً عالمياً للتآخي بين الأديان.
أرسى رحمه الله سياسات ضمنت حرية العبادة، وأصبحت هذه المبادئ المبدئية تجاه التعايش حجر الزاوية في هوية دولة الإمارات، وتُوجت بمبادرات بارزة مثل بيت العائلة الإبراهيمي والمؤتمر العالمي السنوي للأخوة الإنسانية.
دروس من إرث عالمي
امتد تأثير الشيخ زايد إلى ما وراء حدود الإمارات، حيث كان داعماً لا يعرف الكلل للوحدة العربية والإسلامية ودائماً ما دعا إلى حل النزاعات بالطرق السلمية، وقدّم مساعدات إنسانية لعدد لا يُحصى من الدول، مجسداً مبدأ التضامن العالمي الذي يحث عليه الإسلام... من بناء المساجد والمدارس في الدول الفقيرة إلى تقديم الإغاثة في أوقات الكوارث، تظل مساهمات الشيخ زايد في المجتمع الإسلامي العالمي رائدة وفريدة من نوعها.
وفي سياسته الخارجية، أظهر الشيخ زايد مرونة شديدة والتزاماً راسخاً بالسلام والقيم العربية وسعى إلى بناء علاقات متينة مع دول العالم، مشدداً على ضرورة الحوار والاحترام المتبادل. وقد مكن هذا النهج الإمارات من أن تلعب دوراً محورياً على الساحة الدولية، جاعلةً منها جسراً بين الشرق والغرب. واليوم، يظل إرث الشيخ زايد مصدراً دائماً لدروس خالدة للمسؤولين حول العالم... فقد برهن على أن القيم الإسلامية ليست عائقاً أمام التحديث، بل هي أساس للتقدم والنماء، ومن خلال إعطائه الأولوية للعدل والرحمة والوحدة، ابتكر نموذجاً للحكم يوازن بين التقاليد والابتكار.
يمثل إرث الشيخ زايد تذكيراً دائماً بأن القيادة المبنية على المبادئ الأخلاقية قادرة على تحقيق السلام والتنمية والازدهار، ورؤيته ما تزال مستمرة من خلال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي يلهم ليس فقط شعب الإمارات، بل القادة والأمم الطامحة لبناء مستقبل أفضل. وإن هذا الإرث الخالد هو ما يجعلني فخوراً بأن أكون مقيماً في دولة الإمارات العربية المتحدة.
* مستشار برلماني.