يقدِّم التزامن بين اعتماد مجلس الوزراء قرار إطلاق منظومة تشريعية متكاملة لتطوير التشريعات والقوانين اعتماداً على الذكاء الاصطناعي، يوم الاثنين 14 أبريل 2025، ودخول المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024، بشأن قانون الأحوال الشخصية الجديد حيز التنفيذ، يوم الثلاثاء 15 أبريل 2025، إشارات إلى البيئة التشريعية والقانونية المتطورة والفعالة في دولة الإمارات العربية المتحدة، سواء من جانب تطوير القوانين والتشريعات على النحو الذي يضمن استجابتها السريعة للتطورات والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة، أو من جانب الاستفادة من أحدث إنجازات ثورة العلم والتكنولوجيا، مُمثلةً في الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته التي يمكن لها أن تحدث أثراً إيجابيّاً في كل مجالات النشاط الإنساني، إذا روعيت الشروط والضوابط اللازمة للاستفادة منه.
ولا يخلو بدء تطبيق المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024، في العام الذي اختارته القيادة الرشيدة ليكون «عام المجتمع» من الدلالة، إذ يهدف القانون إلى الارتقاء بوضع الأسرة الإماراتية وضمان حياة أكثر استقراراً لأفرادها، بوصفها النواة الأولى للمجتمع والمؤسسة الأم القادرة على تنشئة أجيال قوية وقادرة على الإسهام بفاعلية في تعزيز مسيرة الرخاء والتنمية وتحقيق الأهداف الوطنية. 
وتضمن المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024، أحكاماً جديدة وتعديلات في مسائل مثل سن الزواج وولاية التزويج، والتطليق للضرر، والحضانة، والاعتداء على أموال القُصر، والوصية، واسترداد الهدايا والمهر في حال العدول عن الخِطبَة. واتسمت التعديلات بتيسير الإجراءات وتسريعها وتوحيد المفاهيم والمدد القانونية. 
وعلى الجانب الآخر، حققت دولة الإمارات سبقاً عالميّاً مع اعتماد مجلس الوزراء قرار إطلاق أول منظومة تشريعية ذكية متكاملة لتطوير التشريعات والقوانين قائمة على فكر وحلول الذكاء الاصطناعي. وتشمل هذه المنظومة بناء أكبر قاعدة بيانات تشريعية تضم التشريعات والقوانين الاتحادية والمحلية، وترتبط بالأحكام القضائية والعمليات والخدمات والأنظمة، وتتفاعل مع المتعاملين في الميدان. كما اعتمد مجلس الوزراء إنشاء مكتب الذكاء التشريعي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ليعمل بالتنسيق مع الجهات الاتحادية والمحلية والقطاع الخاص على تصميم وإدارة المنظومة التشريعية الذكية.
ويمثل هذا السبق الإماراتي استجابة سريعة لتأكيد مؤسسات بحثية عدة على وجود فرص كبيرة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، بما يتيحه من قدرة على أتمتة شريحة كبيرة من المهام القانونية، وتيسير استشراف المستقبل، من خلال استخدام الخوارزميات للتنبؤ بنتائج قضايا معينة بناءً على بيانات تاريخية، والتطوير السريع لأدوات معالجة اللغة الطبيعية، على نحو يساعد المتخصصين القانونيين على تفسير الوثائق المعقدة وفهم اللغة القانونية بشكل أفضل.وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد مجلس الوزراء القرارَ المذكور ليس المبادرة الأولى للحكومة في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مجال التشريعات، إذ سبق ذلك إطلاق وزارة المالية ومكتب الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، بالتعاون مع مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي، في 22 سبتمبر 2023، شراكة لتطوير منصة لتعزيز استخدامات الحلول الرقمية في تصميم التشريعات والسياسات المالية، عبر توظيف الذكاء الاصطناعي والحلول الرقمية والبرمجة في تصميم القوانين والتشريعات والسياسات المالية. 
وبذلك، تمثل خطوة الاعتماد الأخيرة تقدَّماً كميّاً ونوعيّاً يتوسع باستخدام الذكاء الاصطناعي من مجال التشريعات المالية إلى كامل التشريعات والقوانين، مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي وقدراته، ومع تطور خطط الدولة في الاستفادة من هذا المُنجز التقني الضخم واتساع التصورات بشأنه وتعظيم الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، لتشمل «تحويل الدولة إلى مركز عالمي لتطوير وتبني حلول وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات»، وفقاً لـ «ميثاق تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي» الصادر في 10 يونيو 2024. 
وفي حين لم يكن المجال القانوني ضمن المجالات المُستهدفة في «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي» عام 2017، فإنه أصبح مُنطلقاً لمبادرة هي الأولى من نوعها عالميّاً، ما يعكس إمكانات التخطيط الاستراتيجي الفاعل في الإمارات، وقدرتها على وضع الأهداف الكبرى وتحقيقها كاملةً، في تجسيد كامل لفكرة «قهر المستحيل» التي تؤمن بها الإمارات وتطبقها، قيادة وشعباً. 

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.