في عام 2008، كانت الولايات المتحدة تواجه أزمة مالية ناتجة عن تجاوزات في النظام المالي، وخلل في التنظيم معيب وإدارة المخاطر، وتهاون خطير تجاه الاختلالات والترابط في الأسواق العالمية. واليوم، أشعر بالقلق من أننا نتجه مرة أخرى نحو نوع مشابه من الأزمات - لكن هذه المرة ناتجة ليس عن الهندسة المالية، بل عن انقسام جيوسياسي. يتعرض الاقتصاد العالمي لضغوط شديدة. فالرسوم الجمركية الجديدة والإجراءات المضادة تسبب صدمات استثنائية وغير متوقعة. ومستويات الديون في القطاع العام مرتفعة إلى حد خطير، بما في ذلك في أميركا. كما أن ديون المقاطعات في الصين مُفرطة.

وأصبح عدم اليقين -وهو عدو كل سوق- الآن السمة المميزة للعلاقة بين الولايات المتحدة والصين. يراقب العالم بقلق عملية فك الارتباط بين الولايات المتحدة والصين، والتي تحدث دون خطة واضحة. ولن تزول المخاطر الاقتصادية والمالية إلا إذا وجدت الدولتان سبيلاً لتخفيف التوترات التجارية. لن يكون ذلك سهلاً أو مثالياً أو سريعاً، لكنه يجب أن يتم على مراحل تقلّل من المخاطر وعدم اليقين. تلك المخاطر ليست بسيطة. فالولايات المتحدة والصين - اللتان تمثلان معاً نحو 35% من الناتج الاقتصادي العالمي - يجب أن تجدا سبيلاً لإدارة المنافسة دون التخلي عن التعاون. يُعاني الاقتصاد الصيني اليوم، في ظل مستويات ديون مرتفعة، وسوق عقارات هشة، وانكماش اقتصادي مستمر.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى اقتصادياً، فإن الصين مندمجة بعمق في الاقتصاد العالمي ومهيمنة في العديد من القطاعات، مما يجعلنا نفترض استمرارها كقوة عالمية. إذا استمرت حرب تجارية طويلة الأمد، ستستمر الصين حتى النهاية، ولن يكون هناك منتصر - بل خاسران فقط. إن إدارة ترامب محقة في تحدي الممارسات التجارية غير العادلة وإعادة التوازن لشروط التبادل. ويجب علينا الامتناع عن تصدير التقنيات والمنتجات الحساسة لأمننا الوطني والاقتصادي. لكن غالبية التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين لا يشكل تهديداً أمنياً.

لقد حان الوقت لإقامة علاقة اقتصادية منظمة وقابلة للتنفيذ وتتطلع إلى المستقبل بين واشنطن وبكين - علاقة مبنية على الواقعية، ولكن أيضاً على المسؤولية. رغم الخلافات العميقة، لا تزال الاقتصادات الأميركية والصينية مترابطة بشكل كبير. فقد تجاوز حجم التبادل التجاري في السلع بين البلدين 575 مليار دولار في عام 2023. وفي قطاع الخدمات، تحتفظ الولايات المتحدة بفائض يزيد على 32 مليار دولار.

كما أن الصين هي ثاني أكبر حامل أجنبي لسندات الخزانة الأميركية، ومشترٍ رئيسي للمنتجات الزراعية الأميركية، وصادرات الطاقة، والصناعات التحويلية عالية القيمة. سيواصل الحلفاء والدول في مناطق رئيسية من العالم، بما في ذلك أوروبا وجنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط، في التعامل التجاري مع الصين.

وهناك خطر أن تُعتبر شركاتنا شركاء غير موثوق بهم، ويتم استبعادها من سلاسل الإمداد العالمية، وتفقد قدرتها على تحديد معايير المنتجات والصناعات. علاوة على ذلك، لدى بكين أدوات يمكن أن تفرض بها تكاليف حقيقية على الولايات المتحدة، مثل تقييد الوصول إلى المعادن الحيوية، أو إبطاء استيراد المنتجات الزراعية، أو تعطيل سلاسل الإمداد الحرجة، أو تقليص حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية. ومع ذلك، يمكن أن يوفّر اتفاق إطار استراتيجي خريطة طريق لمنافسة اقتصادية متوازنة ومفيدة.

فالصين بحاجة إلى زيادة استهلاكها، مما سيخلق فرصاً للشركات الأميركية. ويجب على الولايات المتحدة أن تخفض إنفاقها، وتقلّل من اقتراضها، وتعيد بعض الصناعات التحويلية الحيوية إلى أراضيها. ينبغي أن تبدأ المفاوضات ببعض إجراءات بناء الثقة. كخطوة أولى، يجب أن تتفق الصين مع الولايات المتحدة على وقف فرض الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة 90 يوماً. ويجب على الصين أيضاً حظر تصدير المواد الأولية لإنتاج الفنتانيل، وتعيين مبعوث خاص للعمل مع الولايات المتحدة على وقف انتشار الفنتانيل غير القانوني. وعلى واشنطن إلغاء الرسوم الجمركية بنسبة 20% التي فرضتها في فبراير ومارس على الصين لعدم وقف «الفنتانيل السام وغيره من المخدرات من التدفق إلى بلادنا».

ستجعل هذه الخطوات من الممكن للرئيسين إجراء مناقشات مثمرة حول طريق للمضي قدماً. يمكن للتواصل الرئاسي أن يعيد ضبط النبرة، ويحدد الأولويات، ويوجه العلاقة نحو تعاون حقيقي - حتى في خضم التنافس الاستراتيجي. لدى «ترامب» و«شي» فرصة لبدء حوار استراتيجي لإعادة التوازن، حيث يتفقان على الاجتماع مرة واحدة على الأقل سنوياً في قمة رئاسية، والتحدث بانتظام لتوجيه العلاقة. يجب أن يتضمن الفصل التالي تنفيذ الالتزامات ضمن اتفاق التجارة الموقع عام 2020 بين الولايات المتحدة والصين، والذي يشمل زيادة المشتريات الصينية للمنتجات الزراعية والطاقة والخدمات الأميركية. كما ينبغي إنشاء مجموعة عمل للاستقرار المالي، تراقب نقاط الضعف المالية والاقتصادية في الأسواق المحلية والعالمية، وتنسق أثناء أوقات التوتر في الأسواق، وتحسن الشفافية.

بعد ذلك، يمكن للزعيمين معالجة القضايا الهيكلية الأعمق، مثل اختلالات الإنتاج والاستهلاك، والاستثمار المفرط في بعض الصناعات، والدعم الحكومي، والتجارة والوصول إلى الأسواق، وحماية حقوق الملكية الفكرية، والأنظمة الاستثمارية الشفافة. كما ينبغي أن يتضمن هذا الفصل إنشاء نظام تعاوني لتجارة المعادن الحيوية، بينما تنوع الولايات المتحدة مصادرها.

ويمكن لمسار عمل آخر تحديد القطاعات غير الحسّاسة التي ينبغي تشجيع تدفق رؤوس الأموال عبر الحدود فيها. لن تؤدي هذه الإجراءات إلى القضاء على التوترات، لكنها يمكن أن تقلّل من احتمالات سوء التقدير، وتوفّر المزيد من الوضوح للأسواق، وتقلّل من المخاطر المالية، وتخفف الأضرار الاقتصادية، وتعالج الاختلالات.

لا يجب أن يكون الهدف هو العودة إلى الماضي. بل يجب أن يكون إدارة المخاطر، وتوفير الوضوح للأسواق، والتعاون المنظم في مجالات محددة. سنظل منافسين اقتصاديين بأهداف أمنية متضاربة. الانخراط الاستراتيجي ليس علامة على الضعف. إنه مظهر من مظاهر القيادة. وهو في صالح أميركا.

هنري بولسون جونيور*

*وزير الخزانة من يوليو 2006 إلى يناير 2009، رئيس معهد بولسون.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»