شهدت الأسابيع المُنصرمة اهتماماً مُتجدِّداً بخطر الأيديولوجيات المتطرفة عقب تقرير فرنسي نُشر في 22 مايو 2025، كشف عن اختراق جماعة «الإخوان» للمؤسسات العامة في فرنسا، ومساعيها لزعزعة الوحدة الوطنية.
يُعيدنا هذا التطور الخطير إلى التحذيرات المُبكرة التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة منذ سنوات، والتي أكدت مراراً على التَّنبُه من جماعة «الإخوان» والحركات المتطرفة والإرهابية المشابهة، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في أوروبا والعالم.
سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، علّقَ على الحدثِ بكلمات أربع فقط باللغة الإنجليزية على منصة «إكس»: «لقد قلتُ لكم ذلك»، أي: قد حذرناكم. وحصد هذا المنشور أكثر من 7 ملايين مشاهدة وأكثر من 100 ألف تفاعل خلال أسبوع واحد.
أما فيديو الكلمة، فقد تجاوز عدد مشاهداته 150 مليوناً، مِمَّا يعكس تيقٌّظ الإمارات المُبكِّر. كما أعاد إيلون ماسك نشر الفيديو، معلقاً بأن الشيخ عبدالله «يعرف عما يتحدث»، وهو ما زاد من التأييد الدولي والاجتماعي لموقف الإمارات الاستباقي. يعود الفيديو إلى عام 2017، عندما حذر سمو الشيخ عبدالله بن زايد من مخاطر التساهل الغربي تجاه العناصر المتطرفة المهاجرة من الشرق الأوسط إلى أوروبا. وخلال مشاركته في منتدى «تويبس»، أشار إلى أنَّ غياب القرارات الحاسمة والإفراط في المجاملة السياسية قد يجعل من الدول الغربية «بؤرةً للإرهاب».
وقال سُمُوه محذراً: «سيأتي يوم نرى فيه متطرفين وإرهابيين أكثر بكثير يخرجون من أوروبا بسبب غياب اتخاذ القرار، ومحاولة أن يكونوا سياسيين، أو افتراض أنهم يعرفون الشرق الأوسط والإسلام والآخرين أفضل منا». وأصر على إيصال تحذيره باللغة الإنجليزية، قائلاً:
«أعلم أن لديكم الترجمة، لكنني فقط أريد أن أتأكد أنكم فهمتم الرسالة جيداً»، في تعبير واضح عن حرصه على إيصال الرسالة بلا لَبَس.
فرنسا تُصادق على موقف الإمارات
صدر في الشهر الماضي تقرير رسمي فرنسي يسلِّط الضوء على نشاط جماعة «الإخوان» في فرنسا وأوروبا، متهماً إياها بـ «التمكين الناعم»، عبر التسلل إلى المؤسسات العامة مثل المدارس والمجالس المحلية، مما يشكل تهديداً متصاعداً على الأمن القومي والاجتماعي.
وأعد التقرير عدد من كبار المسؤولين الفرنسيين بعد بحث ميداني في 10 مناطق فرنسية وأربع دول أوروبية، وحذر من أن جماعة «الإخوان»، مع تراجع نفوذها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حولت أنظارها إلى أوروبا، متنكرة بهيئة «غربية» لإخفاء أيديولوجيا «تخريبية»، بهدف إعادة تشكيل المجتمعات الأوروبية، وفقاً لنموذج مستورد من الشرق الأوسط، وهو بالضبط ما حذّر منه سمو الشيخ عبدالله بن زايد قبل سنوات.
سياسة الإمارات الوقائية
تتبع حكومة الإمارات سياسات وقائية واستباقية تقطع جذور التطرف والإرهاب، وتمنع تسلل العناصر المتطرفة إلى البنية الاجتماعية والسياسية. ففي يناير 2025، أدرجت الإمارات 11 فرداً وثماني منظمات مقرها المملكة المتحدة ضمن قائمة الإرهاب، وفرضت عليهم حظر سفر وتجميد أصول وقيوداً مالية، بحسب وكالة أنباء الإمارات (وام). لم تكن هذه الخطوة تعبيراً عن موقف حازم فحسب، بل ساهمت أيضاً في تعزيز أمن المملكة المتحدة والمجتمع الدولي بشكل عام، وأكدت من جديد أن دولة الإمارات لا تساوم في قضايا الأمن ومكافحة التطرف.
وفي أبريل 2025، حظرت السلطات الأردنية جماعة «الإخوان»، التي كانت تُعد أكبر جماعة متطرفة في البلاد. وأوضح وزير الداخلية الأردني مازن الفراية أن الجماعة كانت تخطط لشن هجمات باستخدام صواريخ وطائرات مسيرة، وقد تم ضبط متفجرات وأسلحة أوتوماتيكية ومصانع تصنيع محلية سرية في مناطق سكنية.
تضمنت الإجراءات الأردنية إغلاق جميع مقرات جماعة «الإخوان»، ومصادرة أصولها وتجريم عضويتها أو الترويج لأفكارها. وينضم الأردن بذلك إلى قائمة متزايدة من الدول التي حظرت جماعة «الإخوان» الإرهابية، بما في ذلك مصر، المملكة العربية السعودية، النمسا، روسيا، ودول أخرى، انطلاقاً من إدراكها بأنها تشكل تهديداً مباشراً لاستقرار الدولة.
وقد برز تأثير الإمارات واضحاً في الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي ترامب على موقف إدارته من جماعة «الإخوان»، بعد أن شهدوا الاستقرار الأمني الذي تنعم به الأجواء الإماراتية الخالية مما يُكدِّر صفوها من نعرات التطرف التي تُثيرها جماعة «الإخوان»، وقد انعكس ذلك واضحاً في الحملات الأخيرة التي تقودها الإدارة الأميركية ضد الأصوات المتطرفة من جماعة «الإخوان»، إلى جانب أصوات عالية أخرى يطلقها مجلس الشيوخ الأميركي، سيما العضو البارز فيه تيد كروز، لتصنيف هذه الجماعة كمنظمة إرهابية.
لقد أثبتت دولة الإمارات من خلال قراراتها ومواقفها الاستراتيجية أنها صاحبة رؤية ثاقبة واستشراف دقيق لمستقبل التحديات الأمنية والفكرية. وفي وقت لا تزال بعض الدول الغربية تحاول اللحاق بركب الفهم الصحيح لطبيعة الجماعات المتطرفة، تقف الإمارات في طليعة الجهود الدولية، كنموذج يُحتذى في الحزم والواقعية وحسن التقدير.
* مستشار برلماني وشريك بحثي متعاون مع مركز تريندز للبحوث والاستشارات.