ينبغي أن يُلزم التاريخ الأميركي أي رئيس بالحذر بشأن نشر القوات -سواء كانت من الحرس الوطني أو من القوات النظامية- لقمع الاضطرابات الداخلية. فمن بين الأحداث التي أدّت إلى الثورة الأميركية، ما حدث في بوسطن عام 1770، عندما تم نشر القوات البريطانية رداً على احتجاجات مناهضة للضرائب.

وبدلاً من تهدئة انتفاضة وشيكة، أشعل الجنود البريطانيون النار في الوضع بإطلاقهم النار وقتلهم خمسة محتجين، في حادثة أصبحت تُعرف باسم مذبحة بوسطن. وعلى مدى القرون التالية، نادراً ما تم استخدام القوات الأميركية داخلياً، وكانت تلك الحالات إما لأغراض نبيلة (مثل محاربة المتعصبين البيض المسلحين في الجنوب أثناء إعادة الإعمار).

ورغم ندرة هذه الحالات، فإن استخدامها للسيطرة على الحشود قاد إلى مآسٍ شهيرة، منها مذبحة لودلو عام 1914 (حيث هاجم الحرس الوطني في كولورادو وحراس أمن خاصون عمال مناجم مضربين وعائلاتهم، مما أسفر عن مقتل 25 شخصاً)، وواقعة «جيش المكافآت» عام 1932 (حين هاجمت قوات الجيش الأميركي محاربين قدامى من الحرب العالمية الأولى كانوا يحتجون للمطالبة بتعجيل دفع مستحقاتهم، وقتلت اثنين منهم)، وإطلاق النار في جامعة كينت عام 1970 (حيث أطلق الحرس الوطني في أوهايو النار على مظاهرة مناهضة لحرب فيتنام، ما أدى إلى مقتل أربعة طلاب وإصابة تسعة آخرين).

هذا التاريخ المقلق يجعل من الواضح أن الرئيس دونالد ترامب يلعب بالنار بتأميمه للحرس الوطني في كاليفورنيا، رغم اعتراضات الحاكم «جافين نيوسوم» (ديمقراطي)، وإرساله قوات إلى لوس أنجلوس للتعامل مع الاحتجاجات، التي اندلعت نتيجة حملات الاعتقال، التي تقوم بها إدارته بحق المهاجرين غير الشرعيين.

ومع ذلك، وبدلاً من التصرف بالحذر المطلوب، يبدو أن ترامب متحمّس لمواجهة المهاجرين. في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأحد، زعم ترامب أن لوس أنجلوس «تم غزوها واحتلالها من قبل مهاجرين غير شرعيين ومجرمين» وأنها محاصرة من «عصابات شغب عنيفة ومتمردة». وقال إنه وجّه السلطات الفيدرالية إلى «تحرير لوس أنجلوس من غزو المهاجرين، ووضع حد لأعمال الشغب هذه التي يقودها المهاجرون».

لكن الولايات المتحدة لا تواجه غزواً من المهاجرين، بل شهدت مؤخراً أدنى مستويات عبور غير قانوني للحدود منذ عقود – وهي أنباء احتفى بها البيت الأبيض نفسه على موقعه الرسمي. كما أن معدلات الجريمة العنيفة آخذة في الانخفاض بسرعة في أنحاء البلاد، بما في ذلك في لوس أنجلوس.

الأزمة الوحيدة هي التي تخلقها إدارة ترامب نفسها، عبر فرضها على وكالة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) تنفيذ حد أدنى من الاعتقالات اليومية يبلغ 3000 عملية، مقارنة بمتوسط 660 عملية يومياً خلال أول 100 يوم من فترة ترامب الرئاسية الثانية. من المستحيل تحقيق هذه الأرقام التعسفية عبر التركيز فقط على المجرمين وأفراد العصابات الذين يستحقون الترحيل.

ولذلك، لجأت وكالة الهجرة والجمارك إلى استخدام القوة شبه العسكرية لاعتقال عمال الأجرة اليومية في مواقف سيارات متاجر «هوم ديبوت». هؤلاء أشخاص يعملون لإعالة أسرهم ويسهمون في الاقتصاد، فلا عجب أن مداهمات وكالة الهجرة والجمارك أدّت إلى احتجاجات وردود فعل غاضبة. كما كان متوقعاً، أدى إرسال الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس إلى زيادة غضب المحتجين وأدى إلى اشتباكات عنيفة مع الشرطة والقوات.

وللأسف، بعض المحتجين يسهمون في تحقيق أهداف ترامب من خلال ارتكابهم أعمال عنف -مثل رمي المقذوفات على الشرطة أو إحراق السيارات- مما يخلق المواجهة التي يبدو أن الرئيس يتوق إليها. كما أن التلويح بالأعلام المكسيكية على شاشات التلفاز يسمح لترامب بتصوير المحتجين على أنهم غزاة. وهذه ليست المرة الأولى التي يُظهر فيها ترامب حماسه لنشر القوات في الشوارع.

فقد حاول فعل ذلك خلال احتجاجات مقتل جورج فلويد في 2020. وأفادت تقارير أن ترامب حثّ رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك، الجنرال مارك ميلي، ووزير الدفاع، مارك إسبر، على «تحطيم جماجمهم»، وسأل عمّا إذا كان من الممكن إطلاق النار على المتظاهرين في أرجلهم. لكن ميلي وإسبر رفضا بشدة السماح بمثل هذا العنف، بل رفضا حتى نشر القوات النظامية. وقد نشر الحرس الوطني في تلك الفترة، لكنه تصرف عموماً بضبط نفس.

ويساعد هذا التاريخ في توضيح سبب حرص ترامب هذه المرة على تعيين مسؤولين يراهم أكثر طاعة له. فقد أقال رئيس هيئة الأركان الذي ورثه من إدارة بايدن، واستعاد من التقاعد ضابطاً برتبة فريق، هو «دان كين»، الذي كان ترامب يعتقد -ربما بشكل خاطئ- أنه سيكون مخلصاً له شخصياً. أما وزير الدفاع، فقد عيّن المذيع في قناة «فوكس نيوز»، بيت هيجسث، الذي أوضح خلال جلسات الاستماع لتثبيته في المنصب أنه لا يعارض من حيث المبدأ استخدام القوة ضد المحتجين.

وقد تميّزت فترة هيجسث في المنصب حتى الآن بالفوضى المستمرة بين طاقمه الرفيع، وفضيحة استخدامه دردشة غير آمنة عبر تطبيق سيجنال لمشاركة معلومات حول هجوم عسكري مُخطط له على الحوثيين في اليمن. حتى ترامب نفسه أفادت تقارير بأنه مستاء من «هيجسث» بسبب ما يجلبه من دعاية سلبية، وخصوصاً بسبب إطلاعه إيلون ماسك (الذي لديه مصالح تجارية كبيرة في الصين) على خطط البنتاجون لمحاربة الصين. لذا، ليس مفاجئاً أن يبدو هيجسث في تعامله مع احتجاجات لوس أنجلوس كمن يصب الزيت على النار بدلاً من أن يكبح جماح الرئيس.

وربما بدافع اليأس لاستعادة رضا ترامب، غرّد وزير الدفاع يوم السبت قائلاً إنه لا يكتفي بـ«تعبئة الحرس الوطني فوراً»، بل أضاف: «إذا استمرت أعمال العنف، فستتم تعبئة مشاة البحرية في كامب بندلتون – وهم في حالة تأهب قصوى».

يبدو أن هيجسث على استعداد لوضع الجنود في موقف لا ينبغي أن يكونوا فيه، حيث يُخشى أن يتحولوا إلى بيادق سياسية في محاولة الإدارة لافتعال أزمة تُمكّن الرئيس من توسيع سلطاته التنفيذية.

والآن، تقع المسؤولية على عاتق الجنود أنفسهم، بدءاً من «كين» فما دونه، لضمان عدم القيام بأي تصرف ينتهك الحقوق التي يكفلها التعديل الأول من الدستور الأميركي، وهي الحقوق التي دافع عنها أجيال من الجنود. لا يمكن للجنود رفض أوامر قانونية بالنشر، لكن قادتهم يستطيعون الضغط خلف الكواليس لضمان ألا يؤدي وجود القوات في الشوارع إلى تفاقم الوضع السيئ.

*زميل وحدة دراسات الأمن القومي بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»