في الثالث من نوفمبر من كل عام، تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بيوم العَلَم، هذا اليوم الذي يحمل رمزيةً وطنيةً عميقةً تتجاوز حدودَ الزمان والمكان. انطلق الاحتفال بهذا اليوم في عام 2013، بمبادرة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ليكون مناسبةً وطنية يتجدد فيها الولاء للعَلَم والقيادة، وتتجسّد فيها قيم الاتحاد والاعتزاز بالهوية الإماراتية. وفي كل عام، تتزين مدنُ الدولة ومؤسساتها وبيوتها وشوارعها ومبانيها بألوان العلَم الإماراتي الأربعة، في مشهد يختصر روحَ الانتماء والوحدة والتلاحم الوطني.
ويأتي يومُ العَلم لهذه السنة في ظل مرحلة جديدة من التحولات الوطنية والدولية، تعكس المكانةَ التي وصلت إليها الإمارات كدولة رائدة في صناعة المستقبل، أي التنمية المستدامة والابتكار والعمل الإنساني والدبلوماسية متعددة المسارات. فيوم العلم لم يعد مجرد احتفال رمزي يرفرف فيه علم الوطن عالياً، بل أصبح يوماً وطنياً جامعاً تتجلى فيه روحُ الاتحاد في الداخل، وتُبرز من خلاله الدولةُ صورتَها المشرقة والمشرِّفة في الخارج.
وفي عالم تتداخل فيه الثقافات واللغات والهويات، تمثل الإمارات نموذجاً فريداً في قدرتها على الجمع بين التنوع والوحدة. إذ تحتضن الدولة اليوم أكثر من 200 جنسية من مختلف أنحاء العالم، يعيشون على أرضها بتناغم وسلام، ويتمتعون بأعلى مستويات الرفاهية والتحضر. وهذا التنوع الإنساني الكبير يمنح يومَ العَلَم بعداً عالمياً، حيث يمكن أن ينعكس الاحتفاء به في أكثر من 200 دولة حول العالم. فالمقيمون في الإمارات يحملون معهم قيمَها ورسائلَها الحضاريةَ إلى أوطانهم، ليصبح كل منهم سفيراً لرسالة الإمارات العالمية، ومعبِّراً عن الثقافة الوطنية والقيم الإنسانية والحضارية الإماراتية.
أما الطلبةُ الإماراتيون الذين أصبحوا جزءاً من النسيج المجتمعي لكبريات المؤسسات العلمية والتعليمية، فهم سفراء العلم والفكر والمعرفة والرؤية الإماراتية في العالم، وعليهم أن يُبرزوا الصورةَ المشرقةَ لبلدهم ويعبِّروا عن حضارتهم الإنسانية المتجذِّرة، وأن ينقلوا إلى مجتمعهم العلمي ومحيطهم الأكاديمي روحَ الريادة والاستشراف التي تميز دولةَ الإمارات في مجالات التعليم والبحث والابتكار وخدمة ورفاهية العالم.
ولا يمكن إغفال دور القطاع الخاص والشركات العالمية التي تتخذ من الإمارات مقراً لأنشطتها واستثماراتها، والتي باتت تُعد بالآلاف. فهذه المؤسسات ليست مجرد كيانات تجارية واقتصادية واستثمارية، بل شريكة في إيصال رسالة الإمارات إلى العالم. ومن خلال فعالياتها ومبادراتها في هذا اليوم، يمكنها أن تعكس قيم العمل والابتكار والمسؤولية الاجتماعية والإنسانية التي تشكّل جوهرَ النموذج الإماراتي.
وعلى المستوى المحلي، يجب أن يكون الاحتفاء بهذا اليوم ليس فقط برفع العلم الإماراتي، بل أيضاً بتنظيم الفعاليات الوطنية الرسمية والمجتمعية التي تُسهم في تعريف العالَم بمعاني هذا اليوم من خلال التعريف بالإسهامات الإماراتية التي تُقدَّم للعالَم، والتي تسهم ليس فقط في تحسين جودة الحياة للمجتمعات الإنسانية في أكثر من 200 دولة الآن، بل وفي تحسين جودة الحياة للأجيال القادمة، وتعزيز الامتثال لقيم الاستدامة المسؤولة لتحقيق الغايات البشرية للمجتمعات الإنسانية في العالم ككل.
إن يوم العَلَم هو أيضاً مناسبةٌ لترسيخ مفهوم دبلوماسية القوة الناعمة، التي تقوم على الحوار والتفاهم والثقافة والإنجاز، لا على الصراع أو الهيمنة. إنه يوم يمكن من خلاله أن تتجلى الدبلوماسية الشعبية الإماراتية في أبهى صورها، عبر المواطنين والمقيمين والطلبة ومؤسسات الأعمال، بحيث يتحول العَلَم إلى رمز مشترك للسلام والكرامة والنهضة الإنسانية.. وأن تتجدد فيه الرسالة الإماراتية للعالم، القائمة على تعزيز وترسيخ القيم الإنسانية السامية، فالعَلَم الذي يجمع أبناءَ الإمارات تحت ظله، قادرٌ أيضاً على أن يجمع العالم على معاني السلام والكرامة والاحترام المتبادل.
*كاتبة إماراتية


