تم تأسيس الولايات المتحدة الأميركية في عام 1776 بناءً على توافق يقضي بفصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، في ظل وجود نظام لضبط التوازن بين هذه السلط الثلاث، لكن ذلك التوافق، وفقاً للعديد من الساسة والمحللين الأميركيين، تغير بعد تسلم الرئيس دونالد ترامب مقاليدَ البيت الأبيض، بل هناك مَن يصف الفترة الرئاسية الحالية بـ«الشمولية»، وهي نمط حكم تعمّد الآباءُ المؤسسون للولايات المتحدة الابتعادَ.
 وينظر المنتقدون إلى الرئيس «ترامب» على أنه الرئيس الأميركي الأكثر إثارةً للجدل، ويعتقدون أن العديد من الأميركيين يجدون الآن سبباً للندم على قرارهم بالتصويت له في الانتخابات الرئاسية التي جرت أواخر العام الماضي، حيث جاء النصر «الجمهوري» بناءً على وعود برفع معدلات دخول المواطنين الأميركيين إلى مستويات قياسية، والقضاء على التضخم، وخلق سوق عمل مليئة بالوظائف، وتحقيق الازدهار الاقتصادي لأصحاب الطبقة الوسطى. لكن سرعان ما تبخرت تلك الوعود، وفقاً للمنتقدين، حيث أصبح ترامب يركز على «أجندة شخصية» بدلاً من برنامجه الانتخابي. كما يشير معارضوه إلى إرجاعه الفضلَ لنفسه في إنهاء حروب نشبت قبل رئاسته أو خلالها، حتى ولو أنكرت ذلك بعضُ أطراف الحروب نفسها. ويلاحظ منتقدو ترامب أنه يركز على قضايا ثلاث رئيسة، مستفيداً من خبرة فترة رئاسته الأولى: القضية الأولى هي العمل على ملاحقة مَن وضعهم في خانة «الأعداء» خلال رئاسة سلفه جو بايدن، بينما قام بإصدار قرارات العفو عن مؤيديه المسجونين، خلال تلك الفترة. ولهذا قام بتعيين الموالين له في المناصب القضائية الاتحادية وفي رئاسة مكتب التحقيقات الفيدرالي، وذلك لتوفير الغطاء القانوني لتوجيه الاتهامات ضد «الأعداء» في ظل وجود غالبية من القضاة ذات ميول «جمهورية» في المحكمة العليا. 
والقضية الثانية هي شن حروب تجارية تجاه أصدقاء وخصوم واشنطن على السواء، من خلال فرض الرسوم الجمركية على الواردات، الأمر الذي أدى إلى خسائر في الصادرات الأميركية لتلك الدول، وخاصة بالنسبة للمزارع الأميركي. والمفارقة أن ترامب لا يلبث أن يقوم بتعليق الرسوم أو التراجع عنها أو تخفيضها فجأةً، مثلما حدث قبل أيام قليلة مع الصين حين اتفق مع نظيره الصيني على إعادة غالبية التبادلات التجارية بين البلدين إلى سابق عهدها قبل فرض الرسوم المتبادلة بينهما. 
والقضية الثالثة هي إرسال الحرس الوطني إلى بعض الولايات الأميركية، وخاصة «الديمقراطية» منها، لمساعدة الجهات المسؤولة عن ضبط وترحيل المهاجرين غير الشرعيين. أضف إلى ذلك تهديده تلك الولايات بإرسال وحدات من الجيش في حال لم يتعاون حكامُها مع السلطات الفيدرالية. 
 وفي خضم تلك المعارك، يخوض ترامب معركةً أخرى ضد مؤسسات الإعلام الليبرالية التي تقف بالمرصاد  لأقواله وقراراته ومواقفه كافة، وخاصة المتعلق منها بقضايا الهجرة غير الشرعية، والتأمين الصحي والرسوم الجمركية.
 والمحصلة، أن ترامب جاء إلى سدة الحكم بوسائل ديمقراطية لا غبار عليها، لكن خصومه يشيرون الآن إلى أنه يستخدم تلك الوسائل لتحقيق أجندة شخصية بالأساس، وليس من أجل مصلحة الناخب الذي اختاره وصوّت له. وهم يعتقدون أن ترامب يفعل ذلك مستفيداً من المظلة الدستورية التي تمنحه، حسب قوله، الصلاحية المطلقة ليفعل ما يشاء. وهنا تكمن المعضلة التي يحذِّر منها الطرف الآخر، أي الحزب الديمقراطي الذي يرى أن توجّهاً مثل هذا سوف يلقي بظلاله على العديد من الرؤساء الذين سيخلفونه من كلا المعسكرين «الجمهوري» و«الديمقراطي».


*باحث إماراتي