يواجه العالم حالياً أزمة نزوح غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، حيث وصل عدد النازحين قسراً بسبب الحروب والنزاعات إلى رقم قياسي: 68.5 مليون شخص، ممن اضطروا للفرار خارج بلادهم أو للنزوح داخلياً من مدنهم وقراهم نحو مناطق أكثر أمناً. في كلتا الحالتين يترك هؤلاء الأشخاص وراءهم أغلى ما يملكون، وفي أحيان كثيرة يتركون أحباءهم. وتأتي هذه الزيادة الضخمة في أعداد النازحين بسبب اندلاع صراعات وحروب جديدة تضاف إلى تلك الصراعات المزمنة القائمة منذ عقود، إضافة إلى تعذر إيجاد الحلول الدائمة لأولئك النازحين بسبب تصدع السياسات الدولية، وفشل الجهود الدبلوماسية لإنهاء تلك الصراعات.
في 2016، أدرك المجتمع الدولي في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أن حل مشاكل النزوح العالمية لا ينبغي أن يقتصر على تقديم المساعدات الطارئة فحسب. فمع وجود اللاجئين في المهجر لسنوات وعقود، يهدر النازحون أعمارهم في مرحلة الانتظار، ولم يعد من المجدي تزويدهم بالملجأ والطعام والاحتياجات الأساسية وتركهم في مخيمات منعزلين عن المجتمع معتمدين بشكل كلي على المساعدات الإنسانية الدولية. كما أن من غير العملي أن تستمر المنظمات الدولية كمفوضية اللاجئين، وغيرها، في تقديم المساعدات الإنسانية لسنوات وسنوات. ومع وجود أعداد كبيرة من المهجرين قسرياً في البلدان النامية التي تعاني بدورها من أزمات اقتصادية وتحديات تتعلق بتوفير فرص التعليم والصحة والعمل لمواطنيها، لا يمكننا أن نتوقع منها الاستمرار في حمل أعباء استضافة اللاجئين بشكل منفرد. إن النظام الحالي في الاستجابة لأزمات النزوح هو نظام غير فعال، ولا يفيد اللاجئين، ولا المجتمعات المضيفة، ولا المنظمات الدولية التي تعاني بشكل عام من نقص حاد في التمويل، بسبب زيادة الاحتياجات بالمقارنة مع الموارد المتاحة.
بدورها، وضعت الجمعية العامة للأمم المتحدة رؤية لتحقيق استجابة أكثر شمولية وأكثر استدامة لأزمة النزوح الحالية. حيث وضعت تصوراً لعالم يتمكن فيه اللاجئون من الوصول إلى البلدان التي يشعرون فيها بالأمان، فيتم ضمّهم بشكل أفضل في المجتمعات المحلية، وبمقدورهم أن يصبحوا معتمدين على أنفسهم وليس على المعونات الإنسانية وحدها. ويتجه الوعي العام للإدراك بأن اللاجئين يحتاجون إلى التعليم، وفرص للعمل، وسبل كسب العيش، وحلول الطاقة المستدامة. باختصار، أوضحت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن اللاجئين بحاجة إلى المزيد من حرية التنقل والفرص والاستدامة.
وفيما يجتمع قادة العالم هذا الأسبوع لحضور الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، سيقوم المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي بعرض (الميثاق العالمي بشأن اللاجئين)، ضمن تقريره أمام المجتمع الدولي، كحصيلة للمشاورات وتبادل الخبرات التي امتدت لعامين بين مفوضية اللاجئين بخبرتها الطويلة في التعامل مع ملف اللاجئين، والدول المضيفة والدول المانحة، والمجتمع المدني، وشركات القطاع الخاص، والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الإنساني.
وتعتمد المفوضية على شراكتها مع الإمارات العربية المتحدة في تطبيق الميثاق العالمي بشأن اللاجئين، والذي يتماشى مع المبادئ الإنسانية التي أرساها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بفضل حكمته وكرمه البالغين، مما مكّن دولة الإمارات من احتلال موقع متميز في هذا المجال.
لقد قدمت دولة الإمارات جنباً إلى جنب مع المملكة العربية السعودية تبرعاً بقيمة مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، تشتمل على دعم برامج مفوضية اللاجئين لصالح مئات الآلاف من النازحين داخلياً والمتأثرين بالأزمة الإنسانية في البلاد. ولا تنفك المفوضية من تقديم المساعدات جنباً إلى جنب مع هيئة الهلال الأحمر الإماراتية، والذي يجري على قدم وساق، لتقديم الطرود الغذائية للاجئين الأكثر ضعفاً في مخيم الخرز وأحياء من عدن.
أما من حيث سرعة الاستجابة فيوجد في دولة الإمارات مخزن المفوضية للمواد الإغاثية الأكبر على مستوى العالم في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي، والذي مكننا من الاستجابة الفعالة لأزمة نزوح اللاجئين الروهينغا، والتي تعتبر الأسرع نمواً في زماننا المعاصر. فتمكنّا منذ أغسطس 2017، وبدعم من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وقرينته سمو الأميرة هيا بنت الحسين، من إرسال 13 شحنة جوية، تحمل مئات الأطنان من المساعدات الإنسانية من خيم وأغطية، وغيرها، لمساعدة اللاجئين وحمايتهم من البرد والأمطار والظروف المناخية القاسية.
تصل المساعدات الإماراتية في أي زمان ومكان، فعلى الجانب الآخر من العالم، تدعم دولة الإمارات عيادات التغذية التابعة لمفوضية اللاجئين في مخيم "كوتابالونج" في بنجلاديش، حيث ساهمت بمبلغ 2 مليون دولار لعلاج حالات سوء التغذية المعتدلة والحادة التي يعاني منها الأطفال والنساء وكبار السن من اللاجئين الروهينغا الذين خاضوا تجربة فرار منهكة هرباً من العنف والاضطهاد في ميانمار، ووصلوا في حالة مزرية تقتضي الرعاية والاهتمام.
وبالعودة إلى مضامين الميثاق العالمي بشأن اللاجئين، نجد أنها تتمحور حول التعليم ووسائل كسب العيش والطاقة، ومن المثير للاهتمام أن دولة الإمارات العربية تعزز بالفعل ريادتها بدعمها لمشاريع تنسجم مع محاور الميثاق العالمي، منها على سبيل المثال تمويل مشاريع تنموية في أوغندا، تشتمل على إنشاء المدارس وبناء قدرات المعلمين، وغيرها من المهارات المهنية، مما يعود بالنفع على نحو 600 ألف شخص من اللاجئين من جنوب السودان، بالإضافة إلى المجتمع المضيف في شمال أوغندا. هذا المشروع يهدف أيضاً إلى إنشاء نظام لإمداد المجتمع بمياه الشرب بطريقة مستدامة. وقد بلغ التميز وفرادة العمل الإنساني بالشراكة التي تربط مفوضية اللاجئين وهيئة الهلال الأحمر الإماراتية، والتي أثمرت بقيام سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، أم الإمارات، بإنشاء صندوق المرأة اللاجئة، وتمويلها لعدد من المشاريع، منها مشروع تحسين أوضاع الأمهات اللاجئات في أوغندا، وتعزيز قدراتهن على مواجهة الظروف الصعبة.
لا تتوقف ريادة الإمارات والشراكة عند ذلك، فقد كان لسمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، المناصرة البارزة لمفوضية اللاجئين، مساهمات كبيرة تتعلق بدعم اللاجئين، وقد بلغ إجمالي هذه المساهمات إما بصفتها الشخصية أو عبر" مؤسسة القلب الكبير" ما يقرب من 22 مليون دولار لصالح ما يزيد على 800 ألف من النازحين واللاجئين في المنطقة وحول العالم. يُذكر أن تلك المساهمات اشتملت على مشاريع لدعم تعليم الأطفال اللاجئين، خاصة السوريين.
وفي مبادرة رائدة للقطاع الخاص الإماراتي أيضاً، فقد أطلق رجل الأعمال الإماراتي عبد العزيز الغرير هذا العام بالتزامن مع اليوم العالمي للاجئين، صندوق لتعليم الأطفال واليافعين من اللاجئين السوريين، وتشمل أولئك الذين يتخذون من دولة الإمارات وطناً ثانياً لهم، أو غيرهم من الموجودين في دول الجوار لسوريا كلبنان والأردن. إن هذه المبادرة التي تأتي بالتعاون بين جهات حكومية ومؤسسات القطاعين العام والخاص في الدولة تمثل أملاً جديداً بمستقبل أفضل للشباب الذين سيتم الاعتماد عليهم في إعادة إعمار بلادهم حينما تتوقف الحرب الدائرة فيها، وهي خير مثال على الغرس الإنساني للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وعلى النهج الذي تحدث عنه في سياق خطابه لدعم المفوضية بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسها الصادر في مايو 2000.
وتجدر الإشادة بقرار دولة الإمارات بشأن منح مواطني الدول التي تعاني من حروب وكوارث الإقامة لمدة عام، مما يتيح لهم تعديل وضعهم القانوني في البلاد، ويمنحهم الفرصة لإعادة بناء حياتهم، والبحث عن فرص العمل، والاستفادة من الخدمات الأساسية لهم ولأسرهم.
إن أزمة النزوح التي يواجهها العالم، في ظل تزايد الصراعات وجمود الظروف السياسية، تستدعي البحث عن طرق جديدة لمساندة اللاجئين والنازحين وتعزيز اعتمادهم على أنفسهم. ومع اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لوثيقة الميثاق العالمي بشأن اللاجئين سيتجدد الأمل بالسير قدماً نحو مستقبل أفضل. وبفضل مبادرات مبتكرة وريادية كتلك التي تقدمها دولة الإمارات، يصبح لدينا نموذج يمكن للدول الأخرى أن تحتذي به كسبيل للتغلب على التحديات الكبرى التي تواجهها الإنسانية برمتها. هذه الأنواع من المبادرات التي تنفذها الإمارات حالياً تمثل بالضبط ما هو مطلوب لبدء عملية التحول داخل نظام المساعدات الإنسانية الدولي المثقل بالأعباء، وهي خير نموذج للإرث الإنساني للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.