بدأت الولايات المتحدة العام الحالي، بمؤشر إيجابي لجهة تراجع العجز في ميزانها التجاري بنسبة 14,6 في المئة في يناير إلى نحو 51 مليار دولار (258 ملياراً للمستوردات و207 مليارات للصادرات) مسجلا أكبر تراجع منذ مارس 2018.ويؤشر هذا التراجع إلى أهمية الاختلاف القائم بين الرئيس دونالد ترامب ومجلس الاحتياطي الفيديرالي حول السياسة النقدية التي تسهم بقوة الدولار، وتضر بقدرة الاقتصاد على المنافسة التجارية. وبما أن ترامب جعل الاقتصاد جزءاً رئيسياً من برنامجه السياسي، فقد انتقد مراراً رفع أسعار الفائدة الذي تكرر أربع مرات في العام الماضي، قائلاً: «أريد دولاراً قوياً، ولكن أريده دولاراً مفيداً لبلدنا، وليس دولاراً قوياً لدرجة تمنعنا من التعامل مع الدول الأخرى». أما البنك المركزي فقد أبقى على الفائدة من دون تغيير، في مؤشر على أن الآلية المستمرة منذ ثلاث سنوات لتطبيع السياسة النقدية، ربما بلغت نهايتها، وسط تقلبات في الأسواق المالية، وتباطؤ النمو العالمي، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
قبل أن يتسلم ترامب السلطة، كان العجز التجاري 502 مليار دولار. وبعد سنتين، وعلى رغم فرض الرسوم في مسعِ لتقليص الفجوة، سجل رقماً قياسياً جديداً، بلغ 621 مليار دولار في العام 2018، وارتفع مع الصين وحدها بنسبة 20 في المئة، من 347 إلى 419 مليار دولار.و وصف صندوق النقد الحرب التجارية بأنها «أكبر خطر» على الاستقرار العالمي، وقدرت خسائرها بنحو 2,9 مليار دولار لكل من أميركا والصين، جراء الرسوم فقط، بينما قدر خبراء أميركيون أن اقتصادهم خسر 8 مليارات دولار في العام الأول، وفي حال استمرت لعشر سنوات مقبلة، ستصل الخسائر إلى نحو تريليون دولار.
إذا كان المعروف عالمياً أن قوة النقد تنبع من قوة الاقتصاد، فان هذه المعادلة ليست صحيحه دائماً، مثال على ذلك أنه سبق للدولار أن تراجعت قيمته خلال فترة 12 سنة (2002 -2013) بنسبة 40 في المئة مقابل الفرنك السويسري، ونحو 25 في المئة لليورو الأوروبي، في وقت كانت فيه أوضاع الاقتصاد الأميركي، وما زالت، أفضل نسبياً من الاقتصاد الأوروبي الذي يعاني من أزمات مالية متعددة. ولكن لوحظ أنه (أي الاقتصاد الأميركي) حقق نمواً في العام الماضي 2,9 في المئة فقط، ونحو 1,29 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي، وهو أقل من طموحات ترامب. إضافة إلى ذلك، بلغ العجز المالي في الأشهر الخمسة المنقضية من السنة المالية التي بدأت في أكتوبر الماضي 544 مليار دولار مقارنة مع 391 مليار دولار في الفترة نفسها من السنة السابقة، بزيادة نسبتها 40 في المئة. كذلك زاد حجم الدين العام الذي كان أقل من 19,8 تريليون دولار، عندما تسلم ترامب منصبه، ووعد الأميركيين في حينه، أن بإمكانه تسديده بسهولة خلال ثمانية أعوام، (على أمل تجديد ولايته) بحيث يترك الحكم في مطلع 2024، من دون أن يورث خلفه ديوناً ثقيلة كما فعل سلفه باراك أوباما. ولكن خلافاً لتوقعاته المتفائلة، زاد الدين إلى 20,35 تريليون دولار، ويتوقع المراقبون أن يرتفع سنوياً ليصل إلى 24,67 تريليون دولار في العام 2027.
لاشك في أن النفوذ السياسي، ينعكس على النقد الذي تبرز قوته ارتفاعاً في مستوى المعيشة، وباعتبار الدولار عملة دولية قوية، فهو يمنح الولايات المتحدة نفوذاً مالياً وسياسياً كبيراً، وقد وصفه الخبراء بانه «سلاح قاتل» يمكن استخدامه في الحروب الاقتصادية، وقوة ضغط في المعارك العسكرية، مع العلم أن هذا السلاح بدأ يواجه منافسة استراتيجية من عملات أخرى تسعى إلى اقتسام النفوذ معه، على رغم سيطرته على الحركة المالية والاقتصادية في العالم.