بينما يبلغ فيروس كورونا (كوفيد 19) مستويات جديدة من العدوى في الولايات المتحدة، أصبحت الأبعاد الحقيقية للأزمة واضحة للجميع، فالإحصائيات اليومية تشير إلى أن الأسوأ لم يأت بعد، إذ تُظهر ولاية نيويورك، وخاصة مدينة نيويورك، أكبر عدد من الإصابات والوفيات، غير أن ولايات أخرى أخذت تشهد تزايداً في أعداد الإصابات أيضاً، وليس ثمة أي دليل على أن الوباء قد تم احتواؤه.
وهناك العديد من التوقعات المختلفة بشأن ما سيصبح عليه الوضع، وهل سيكون التأثير قصيراً أو طويل المدى على الاقتصاد؟ غير أن الواضح الآن هو أن كميات ضخمة من الأموال ينبغي أن توفّرها الحكومة الفيدرالية من أجل دعم المصالح الطبية، والعمال العاطلين، والشركات الصغيرة والكبيرة التي تواجه خطر الإفلاس.
لكن، هل ستدخل الولايات المتحدة في ركود مالي؟ الجواب شبه المؤكد هو: «نعم»، بالنظر إلى الإغلاق التام لقطاعات حيوية من الاقتصاد مثل قطاعات السفر والترفيه والفنادق والمطاعم، ومعظم قطاع البيع بالتجزئة (مثل المراكز التجارية)، إضافة إلى المتاجر الصغيرة، فالقطاع الاقتصادي الوحيد الذي يشهد طفرة حالياً هو قطاع المواد الغذائية، وخاصة أسواق «السوبرماركت»، ونظام النقل الذي يسهر على تموين المتاجر وإمدادها بالسلع، واليوم، يمكن القول إن أبطال أميركا الجدد هم أصحاب محلات البقالة، وسائقو الشاحنات، والفرق الطبية العاملة على الخطوط الأمامية والمعرضة للخطر.
والركود عادةً يدوم عدداً من الشهور، أما الكساد فيدوم سنوات، وقد يدوم عقوداً، وهذه الحالة الأخيرة هي التي جعلت الجميع يشعر بالقلق، وهذا ما يفسّر الإسراع إلى توفير مساعدات مالية لمعظم القطاعات المهدَّدة من الاقتصاد، في هذا السياق يصبح الخلاف الوشيك بين ترامب ومستشاريه السياسيين والاقتصاديين من جهة، ومختصي نظام الرعاية الصحية من جهة أخرى، مسألة مقلقة بحق، فسياسياً، يدرك ترامب أنه كلما طال بقاء الاقتصاد الأميركي في حالة ركود، ستكون أرقام البطالة مرتفعة، الأمر الذي سيترجم إلى تأييد سلبي لرئاسته، وبالتالي، يعرّض احتمالات إعادة انتخابه في نوفمبر المقبل للخطر.
ويتعرض ترامب حالياً لضغوط من مستشاريه السياسيين، وجزء كبير من مجتمع الأعمال من أجل البحث عن طرق للحد من تفويض الإغلاق التام والتباعد الاجتماعي اللذين يقلصان آمال إعادة تشغيل الاقتصاد المضروب، ذلك أنه إذا استمر الوضع الحالي من دون عودة إلى العمل بالنسبة لملايين الأميركيين، فإن الاقتصاد سيتهاوى أكثر، وتعافيه قد يستغرق سنوات، غير أن أي محاولة في هذه المرحلة لإضعاف الجهود القاسية لاحتواء الفيروس تتعارض مع كل النصائح التي يتلقاها ترامب من مستشاريه الطبيين والمجتمع العلمي، إذ يحاجج هؤلاء بأن أي تخفيف مبكر للقيود، يمكن أن يجعل الوباء أسوأ، ويمكن أن يشكّل ضغطاً هائلاً على النظام الطبي بالنظر لتناقص قدراته على معالجة المصابين بالفيروس.
إنه اختيار صعب، والمشكلة بخصوص أي جهود مبكرة لإنهاء الإغلاق التام في بعض المناطق، هي أن تلك الجهود لا تأخذ بعين الاعتبار الخوف الشديد، الذي بات لدى كثير من الأميركيين حيال الفيروس، وترددهم المحتمل في العودة إلى «الوضع العادي»، فما يقوله كثير منهم هو أنه إلى أن يتم تطوير لقاح فعال ضد الفيروس، فإنهم سيظلون حذرين بشأن التنقل وخاصة إلى بلدان أجنبية، ولهذا، فحتى في حال تقلص الوباء وانحسر، فإنه سيكون من الصعب أكثر التغلب على تأثيراته طويلة المدى على السلوك، وبالتالي على الاقتصاد، وأي موقف مفرط في التفاؤل قد يؤدي لعودة ظهور الفيروس، وهناك أدلة على حدوث هذا الأمر في هونج كونج.
*مدير البرامج الاستراتيجية في مركز «ناشونال انترست»- واشنطن