يصل الخرطوم اليوم او غداً وفد خاص مكون من نحو مئة رجل وامرأة هم "زبدة" الحركة الشعبية لتحرير السودان وخيرة قادتها وأكثرهم تجربة في مجال العمل السياسي والمعرفة بفن التفاوض والحوار. ومجيء هذا الوفد الكبير في هذه المرحلة يعني أن الحوار الجاد لتنفيذ وتطبيق نصوص اتفاقية السلام على أرض الواقع قد بدأ فعلا بين الشريكين في الحكم، حكومة السودان والحركة الشعبية. وكما هو معلوم فإن الاتفاقية قد أعطت الجنوبيين ما يقارب الاستقلال الذاتي في حكم الجنوب في حين أشركتهم في حكم الشمال بنسبة 28% مقارنة بـ52% للحزب الحاكم "الإنقاذ".
إن القضايا التي سيناقشها هذا الوفد ذات طابع مصيري للوضع السياسي في الشمال بصورة خاصة وعلى رأسها وضع دستور مؤقت للبلاد والاتفاق على القوانين التي ستحكم الانتخابات الرئاسية والعامة حتى يحين وقت إجرائها، وكذلك الوضع في أقتسام المناصب في الخدمة المدنية والقوات النظامية إلى آخره. وقد أعدت جماعة من المثقفين الشماليين لجنة خاصة لاستقبال هذا الوفد وتكريمه مع ملاحظة أن الوفد الجنوبي اعتذر عن قبول استضافة الحزب الحاكم له، وللحدثين دلالة.
الاعتذار عن قبول الاستضافة يعني أن الوفد وقيادته يريدان أن يكونا بمنأى عن التأثير. أما حماسة ذلك النفر من المستقبلين المعارضين للحكم القائم فإنها تعكس تطلع قطاعات مهمة من الرأي العام السوداني لا سيما من أهل المدن للدور الذي ستقوم به الحركة الشعبية ورئيسها عندما تشارك في حكم الشمال، في تحقيق دستور ديمقراطي يفتح الطريق لنهاية الحكم الأحادي. النقد من طلائع الشماليين للحركة الشعبية هو أنها قبلت أن تكون لجنة إعداد الدستور مكونة من مندوبين لها والحكومة، في حين أن الاتفاقية قالت بضرورة أن يكون التشكيل في هذه اللجنة ممثلا لكل القوى السياسية بصورة شاملة. وفي هذا الصدد فإن كل القوى السياسية المعارضة، وعلى رأسها التجمع الوطني الديمقراطي، لم تقبل بالمشاركة في هذه اللجنة الخاصة بالدستور وفق النسب المرادة لها وهي 14% للقوى السياسية و6% للقوى السياسية الجنوبية خارج الحركة الشعبية. ولكن المعارضين الشماليين لم يكتفوا بذلك الموقف بل أعدوا مسودة للدستور قدموها لحلفائهم أي الحركة الشعبية ليتبنوا محتوياتها عند الجلوس لمناقشة الأمر مع وفد الحكومة وحزبها.
لقد أقامت حركة قرنق قبل شهرين مركزا رئيسيا لها في الخرطوم وكذلك افتتحت عدة مكاتب فرعية في عدد من المدن الشمالية المهمة، ثم فتحت باب التسجيل في عضويتها للمواطنين الشماليين المقيمين في هذه المناطق وللجنوبيين الذين نزحوا لمدن الشمال هربا من ويلات الحرب الأهلية. ولوحظ هنا أن أعدادا متزايدة من الشماليين سعت لنيل عضوية الحركة الشعبية إيمانا بأطروحتها السياسية وثقة في أنها هي القادرة على إحداث التحول نحو الحكم الديمقراطي الشامل في الشمال.
ولذلك فإن هذا البناء أو الرصيد سيتأثر سلبا أو إيجابا بمواقف وفد الحركة المئوي وتبنيه للأسس التي ترتضيها المعارضة الشمالية، وهم -أي أعضاء وفد الحركة المشار إليه- يعلمون جيدا ما تريده المعارضة حتى تفسير بنود الاتفاقية تفسيرا يدعم التوجه القوي الشامل، لأنه الضمانة الوحيدة لتكون الاتفاقية والسلام وما يتبعه أمرا يحظى بالقبول والرضا من أغلبية أهل السودان، وليس شراكة ثنائية سيكون نصيبها التعثر والزلل إن لم يكن الفشل.