فشلت الجمعية الوطنية العراقية في اجتماعها الثاني الذي عقد الثلاثاء الماضي في حسم موضوع رئاسة الجمعية والإعلان عن تشكيل الحكومة واختيار رئيس الدولة ونوابه. ويعود سبب عدم اختيار المناصب القيادية بعد مضي أكثر من شهرين على انتهاء الانتخابات التي جازف العراقيون بحياتهم لإنجاحها، إلى التسابق والهرولة بين السياسيين والأحزاب على تقسيم المناصب والوظائف العامة المهمة فيما بينهم. كان يمكن أن يكون هذا الأمر طبيعياً لو جاء التهافت على المناصب ليخدم المصلحة الوطنية العليا للعراق وشعبه, وأن الاختيار للقيادات يكون حسب الكفاءة والمقدرة والقدرة الإدارية والعلم، لقبل الجميع هذه الاختيارات. لكن الأحزاب الفائزة في الانتخابات بشيعتها وأكرادها, وهؤلاء يحاولون تكريس القومية الكردية في الشمال والطائفية البغيضة في الجنوب والقبلية العشائرية في الوسط.
كيف يمكن للعراق أن يستقر إذا كان السياسيون يحرصون على توزيع المناصب الوزارية حسب الانتماء الديني والطائفي؟ المشكلة أن هؤلاء الوزراء الطائفيين سيقومون بتعيين أبناء طوائفهم وعشائرهم في المناصب العليا في الدولة على حساب المواطنين العراقيين الآخرين من حملة الشهادات العلمية العالية وأهل الكفاءة والعلم والخبرة والإدارة. بمعنى آخر، العراقيون الأكفاء والمتعلمون لن يصلوا إلى المناصب العليا للدولة لأنهم لا ينتمون للطوائف والقبائل الفائزة بالانتخابات.
الدكتور أياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الذي ستنتهي مدة رئاسته قريباً، حذر من تدخل الرموز والمرجعيات الدينية في التنافس السياسي في العراق. لقد كان محقاً في تحذيراته بأن زج الدين ورجال الدين في السياسة في بلد متنوع الأديان والثقافات والقوميات سيؤدي إلى حالة من التوتر وعدم الاستقرار لأن كل فئة تعتقد بأن مفاهيمها الدينية أفضل من غيرها. فالتجارب الديمقراطية في كل أرجاء المعمورة خصوصاً في الدول الغربية، لم تشهد الأمن والاستقرار والسلام إلا بعد أن تبنت هذه الدول العلمانية لتفادي التناحر الطائفي. لذلك لن يستقر العراق إذا جاء الدستور الجديد بعيداً عن فهم الدولة المدنية العلمانية.
هل يملك العراق الشقيق الاستقرار في ظل استمرار الأحزاب والحركات السياسية في تشكيل القوات الخاصة بكل حزب أو ما يسمى بالميليشيات أو الجيوش الحزبية؟ الإشكالية تكمن في أن السياسيين الحزبيين والقوميين المتعصبين يصرون على التمسك بقواتهم الخاصة، رغم سقوط نظام الطاغية وبدء مرحلة ديمقراطية جديدة في العراق. هل يعقل أن يكون للأكراد في الشمال قوات خاصة بهم "البشمركة" ويرفض الأكراد حل هذه القوات ويتفاوضون على أن تكون نواة جيش كردي في الشمال؟
المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة عبدالعزيز الحكيم عضو المجلس الوطني العراقي، لديه جيشه الخاص"فيلق بدر". أما التيار الصدري الذي يقوده الشاب مقتدى الصدر، فلديه قوات أو ميليشيات عسكرية تم تدريبها في معسكرات على الحدود الإيرانية-العراقية بمساعدة إيرانية، وأطلقت هذه القوات على نفسها "جيش المهدي".
السنة بدورهم لديهم جيوشهم وعصاباتهم وميليشياتهم من الحركات السياسية الإسلامية المتطرفة التي تمارس العنف والإرهاب والقتل ضد الأبرياء في كل أنحاء العراق. هذه القوات تتمركز في المناطق الغربية وتلقى دعماً مالياً وعسكرياً من تنظيم "القاعدة" وبن لادن الذي يمدهم بالمال. أما الأفراد فمعظمهم من المتطوعين العرب من أمثال الزرقاوي. وقد هبت بعض التنظيمات الجهادية الخليجية العربية لمساعدة المجاهدين العراقيين, وتشمل هذه الحركات الجهادية مناضلين وجهاديين من دول الخليج العربية. العراق لن يستقر حتى يتفق سياسيوه على أن مصلحة العراق هي فوق المصالح الطائفية والحزبية. الأحزاب العراقية تحتاج إلى إعادة تأهيل لأن هذه الأحزاب معظمها استبدادية وقهرية وليست ديمقراطية. والدليل على ذلك تشكيلهم لقوات خاصة بهم يرغبون فيها المواطنين وتخلق حالة من عدم الاستقرار تضمن بقاءهم على حساب مصلحة العراق على المدى البعيد.